الوطن
د. محمود خليل
كشكش بيه..!
قبل يومين (8 يونيو)، مرت ذكرى وفاة الفنان الراقى نجيب الريحانى (عام 1949)، ويعد «الريحانى» واحداً من فرسان المسرح المصرى، قبل ثورة يوليو 1952، أسس بمشاركة صديقه «بديع خيرى» فرقة مسرحية قدمت العديد من المسرحيات المصرية الأصيلة، ومسرحيات أخرى تم تمصيرها عن نصوص فرنسية. كان للفنان الراحل طريقة معينة فى التمثيل والأداء المسرحى والسينمائى، أسست لمدرسة أطلق عليها «مدرسة الريحانى»، تأثر بها العديد من الكوميديانات المصريين، لعل أبرزهم الراحل «فؤاد المهندس».

رغم موهبته الخصبة الثرية، لم يكن طريق «الريحانى» للنجاح فى عالم المسرح سهلاً أو يسيراً، كانت المنافسة بينه وبين «على الكسار» عاتية، و«الكسار»، أو «بربرى مصر الوحيد»، كان فناناً بسيطاً يميل إلى مخاطبة الطبقات الشعبية بلغتهم وتقاليد حياتهم، كما كان «الكسار» من الذكاء، بحيث أدرك بـ«فراسة فنان» الموهبة الفذة لسيد درويش عندما استمع إلى بعض ألحانه، فضمه إلى فرقته وأفهمه أنه ليس مثل نجيب الريحانى، الذى يعرف كيف يرطن باللغات الأجنبية، بل هو إنسان بسيط يخاطب البسطاء أمثاله، من العمال والحرفيين وأرباب الصنائع، فما كان من سيد درويش إلا أن طلب منه أن يأتيه بأى كلام وسوف يقوم بتلحينه، وطبقاً لهذا الاتفاق لحن سيد درويش روائعه الفنية الشعبية التى تحدثت عن العمل والسقايين و«الصنايعية» وغيرهم، فى المقابل كان نجيب الريحانى يتهم «الكسار» بالتفاهة والسطحية، وأنه لا يجيد سوى لون واحد من الفن لو تركه إلى غيره يضيع، ولكى يثبت له قدراته الفائقة على أداء كافة الأدوار، قرر إبداع شخصية تشبه شخصية «عثمان عبدالباسط»، التى ظهر بها «الكسار» للجمهور، وفى هذا السياق ظهرت شخصية «كشكش بيه».

جسد «كشكش بيه» شخصية عمدة نازح من كفر البلاص بعد بيع القطن، وفد إلى القاهرة كى «يفرتك» جنيهاته فيها، وهو شخصية تحب المرح واللعب و«الهلس»، وفى سياق طمع الناس فيما لدى «كشكش» من المال والمصالح، وطمع «كشكش» فى العربدة معهم كيفما شاء وشاء له الهوى، تتخلق العديد من المواقف الكوميدية التى أجاد «الريحانى» الأداء فيها، فحقق من خلال المسرحيات التى كان بطلها «كشكش بيه» نجاحات كبيرة، إلى حد أن صار اسمه فى الوسط الفنى «كشكش بيه». استطاع «كشكش» منافسة «عثمان» التى كان يجسدها على الكسار، وأثبتت التجربة أن أشباه «كشكش بيه» فى الواقع المصرى أكثر بكثير من أشباه «عثمان عبدالباسط»، فالطمع سمة مشتركة بين الجميع، بمن فى ذلك المصريون «العثامين»، فكل من يقترب من «كشكش بيه» يطمع فيما لديه، ويتمنى أن لو كان مكانه، وهو على أتم الاستعداد أن يتركه يعربد فيه، كما شاء طمعاً فى مكرمة، أو عشماً فى «مغنمة»، شخصية «كشكش بيه» التى أداها «الريحانى» بعبقرية أفلحت فى مداعبة «الكشكش» الكامن داخل كل مواطن، وكما اشتكى الريحانى من سطحية وهزل «الكسار» وشخصية «عثمان عبدالباسط» بالأمس، إذا بالفنان المسرحى الكبير «عزيز عيد» يشتكى من تفاهة شخصية «كشكش بيه»، وصاحبها «الريحانى»، ويوم أن يئس «عيد» من إقناع الجمهور بالمسرح الجاد، خرج من مصر تاركاً لعبة المسرح، وهو يقول: «آه يا بلد كشكش بيه»!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف