هذه الحادثة جرت قبل 74 سنة، نرويها اليوم لكى يعرف الشباب من هو مصطفى النحاس، فى عام 1943 كان الخلاف بين النحاس والملك فاروق على أشده، بحث فاروق عن وسيلة لضرب النحاس وإقالة وزارته، فماذا يفعل؟، توصل هو وأحمد حسنين رئيس الديوان الملكى إلى فكرة بسيطة ومشهورة، وهى أن يخترقوا الوفد، وأن يستميلوا أحد قياداته، لكى يكون أداة لهم فى ضرب النحاس والحزب، ووقع الاختيار على سكرتير عام الحزب مكرم عبيد باشا الذى كان يتولى وزارة المالية، وتم ترتيب لقاء لمكرم بالملك فاروق، وذهب مكرم سرا دون أن يخطر قيادات الوفد، ونشرت خطبة عصماء لمكرم فى صحيفة الأهرام يمتدح فيها الملك، أملا فى أن يكلفه فاروق بتشكيل الوزارة بدلا من النحاس باشا، وقد قرأ النحاس الخطبة العصماء فى الأهرام وعاتب مكرم: كيف تمتدح الشخص الذى يريد ضرب الحزب والحكومة؟، لماذا وضعت يدك فى يده؟، وثار أعضاء الحزب، وأحيل مكرم للتحقيق، وتم فصله من الحزب، وطالبه النحاس بالاستقالة من الوزارة ورفض، وتقدم بطلب تغييره للملك ورفض الملك، فقدم النحاس باشا استقالة الوفد، قائلا «يسعد سعيد بسعيدة»، واشتدت الأزمة وأجبر الملك على تكليف النحاس بتشكيل الوزارة الجديدة، وشكلها من الوزراء أنفسهم عدا وزير المالية مكرم عبيد الذى تحالف مع الملك، فاروق شعر بأن النحاس قد انتصر عليه فى معركة مكرم وتشكيل الوزارة، ماذا يفعل ليرد الجولة؟، كيف يقيل هذه الوزارة؟، أحمد حسنين توصل هو وجلال الدين الحمامصى إلى فكرة جمع أخطاء الوزارة، وأوعزوا لمكرم بالفكرة لينفذها انتقاما من النحاس الذى فصله من الحزب وعزله من كرسى الوزارة، فعكف مكرم على جمع وقائع فساد بمساعدة رئيس الديوان الملكى وبعض رجال القصر، ثم نصحوه بأن يكتب الوقائع فى صيغة شكوى إلى الملك يطلعه فيه على فساد النحاس وحكومته ويطالبه فى الشكوى بحل الوزارة، ورفع مكرم الشكوى تحت عنوان الكتاب الأسود، وسربت بعض المعلومات للصحف لضرب سمعة النحاس، وتقرر تقديم مكرم المذكرة لمجلس النواب، وعرضت بالفعل، وطلب أعضاء البرلمان من مكرم الوثائق التى تؤكد صحة هذه الوقائع، فطلب مهلة لكى يحصل عليها من الملك، فتأكد النواب من المؤامرة وقرروا حفظ الاستجواب، الذى يعود لأعضاء المجلس يومها يكتشف أن الأغلبية فيه لم تكن وفدية(125 نائبا من السعديين، و74 الأحرار الدستوريين، و29 من الكتلة الوفدية، و7 الحزب الوطني، 29 من المستقلين)، وقد وافق على بيان الحكومة وعدم سحب الثقة منها 176 نائبا، وقد علق المؤرخ عبدالرحمن الرافعى (وكان من أعضاء الحزب الوطنى)، على تقرير مكرم قائلا: الذى يؤخذ عليه بعد انفصاله أنه لم يلتزم جادة الاعتدال والهوادة فى موقفه، بل انضم بكل قوته إلى خصوم الوفد، وهاجم النحاس والوفد مهاجمة عنيفة، ولو بقى بعد انفصاله يستنكر مساوئ حكومة الوفد فى اعتدال، وبأسلوب غير أسلوب الكتاب الأسود، لكان محتملا أن يجتذب إليه فريقا من الوفديين».