الوطن
د. محمود خليل
قل للزمان.. ارجع يا زمان!
زمان، كان هناك مسلسل من بطولة سعيد عبدالغنى، وأحمد بدير، شهدت أحداثه هروب البطل «سعيد عبدالغنى»، أو «هراس»، من قريته بسبب ظلم كبارها له ولتابعه «أحمد بدير»، أوى البطل إلى قرية أخرى عاش فيها، وأخذ يتسلح بالقوة استعداداً ليوم المواجهة، وطيلة هذه الفترة اشتد ظلم الظالمين بالقرية، وتعالت صرخات أحمد بدير بعبارة: «هراس جاى»، إنذاراً لهم بالمخلّص المقبل. فكرة البحث عن مخلّص تأتى من رحم الماضى، وهى واحدة من الأفكار الراسخة فى الوجدان المصرى، لأننا ببساطة شعب مشدود إلى التاريخ برباط وثيق، فمنتهى الحلم بالنسبة للمصريين هو العودة إلى ما كانوا عليه فيما مضى.. «قل للزمان ارجع يا زمان»!.

أحد البنوك يحاول التسويق والترويج لخدماته، لم يجد من وسيلة سوى الاستعانة باسم وصورة مؤسسه الأول «طلعت حرب» ليعد العملاء بأن «طلعت حرب راجع»، وأن بنك مصر سيعود معه إلى سابق تأنقه وتألقه فى عهد المؤسس الأول. الكثير من الفصائل السياسية فى مصر تفكر بذات الطريقة، وتحاول استعادة أفكار قديمة واستثارة أمنيات الناس باسترجاع نمط الشخصيات التاريخية الكبرى التى يعرفونها جيداً. التفكير بهذه الطريقة يعكس هشاشة الحاضر الذى يعيشه الناس، فالحاضر الهش لا يبنى مستقبلاً، وإنما يرد الإنسان دائماً إلى الماضى، وإلى الحلم باستعادة الماضى. الأمم التى تعانى من هشاشة الحاضر مريضة بالتفكير فى التاريخ، وقد تمرض أيضاً بالتفكير فى المستقبل، فى تقديرى أن كليهما مرض، كليهما محاولة للقفز على المرض الحقيقى الذى نعانى منه، مرض «هشاشة الحاضر»، الذى يعيش على أحلام استرجاع الماضى ومجده التليد، يريد الهروب من أوجاع «الهشاشة» التى يعيشها، والذى يناور على الناس بالحديث عن المستقبل الزاهر الباهر فى ظل واقع هش يعانى من رغبة فى القفز على الحاضر، بسبب الفزع الذى يلاقيه من سيطرة الهشاشة على الواقع المحيط به.. «ابقى قابلنى»!.

أمر وحيد يجب أن يفكر فيه أى فرد أو جماعة أو مجتمع يعانى من مرض «هشاشة الحاضر» هو التفكير فى الكيفية التى يمكن ترميم الأوضاع الحالية بها، الانشغال بعلاج الهشاشة فى هذه الحالة سوف يصرف صاحبه عن الجلوس فى انتظار من لا يجىء، أياً كان هذا الشخص حتى لو كان عم «هراس»!. وبالنسبة لمن يظن أن بإمكانه بناء مستقبل تأسيساً على واقع هش، فعليه أن يراجع نفسه، فليس فى مقدور أحد أن يقيم بناء فى الهواء الطلق، مثل هذا البناء معرض للانهيار فى لحظة، لذلك فخير لصاحب هذا التفكير أن يصرف جهده إلى بناء الحاضر وعلاج أعراض الهشاشة التى تنشب أظفارها فى أنسجته. لن يأتى أحد من دواليب الماضى، ليصلح عطب الحاضر، ولن يقدم أحد من غيابات المستقبل، ليعالج حالة التردى التى نعيشها. التفكير بهذه الطريقة لن يؤدى إلى إصلاح، وإذا كان مرسى جميل عزيز قد عالج أمر المغرمين باستعادة الماضى بقوله «قل للزمان ارجع يا زمان»، فقد عالج عمر الخيام شأن من يحلمون بالمستقبل دون التفات للحاضر بقوله: «غد بظهر الغيب واليوم لى.. وكم يخيب الظن فى المقبل»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف