لقد كان الفتي الهاشمي القرشي قوي العقيدة والإيمان لم تهتز له شعرة حين خرج من بيت النبوة بعد توسده بفراش رسول الله صلي الله عليه وسلم وذلك أثناء رؤية الفتي علي بن أبي طالب لأولئك الشباب المجتمعين أمام بيت النبي.. تجاهلهم بكل ثبات وقوة ولم يلتفت إلي اعدادهم أو القبائل التي ينتمون إليها. تركهم ومضي ينفذ تعليمات سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم وقام برد الأمانات والودائع التي كانت لدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلمها لأصحابها كما أراد رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وبعد أن فرغ من هذه المهمة التي كلفه بها رسول الله أخذ يعد العدة للخروج مهاجراً إلي المدينة المنورة لكي يلحق برسول الله صلي الله عليه وسلم وينضم إلي إخوانه من المهاجرين من مكة. وهذا التكليف من جانب رسول الله صلي الله عليه وسلم يؤكد عدة حقائق يجب أن نتوقف أمامها بكل امعان وفي مقدمة هذه الحقائق أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان محل ثقة وتقدير كل من استأمنوه علي ودائعهم وأماناتهم رغم أنهم لم يدخلوا في الدعوة المحمدية التي أبلغ بها أهله وعشيرته وكذلك كانت أخلاقه الكريمة تمنحه كيفية التعامل مع سائر أهل مكة كما أن سماحته وأمانته وتقديره لثقة هؤلاء ترك ابن العم لإعادة هذه الأمانات لأصحابها. ما يؤكد أن الوفاء وعدم مقابلة السيئة بالسيئة هي من صفات سيد الخلق صلي الله عليه وسلم. أنها سلوكيات وتصرفات نموذجية. وقدوة حسنة وصدق الله العظيم إذ يقول: ûلقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر.. 21 الأحزاب.
بعد أن انتهي علي بن أبي طالب من أداء المهام التي كلفه بها رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج من أم القري مودعاً أهله ويدرك مدي تربص المشركين له ولإخوانه من المهاجرين وخرج الفتي الهاشمي القرشي قاصداً المدينة المنورة يتطلع إلي لقاء ابن القيم الذي تربي في احضانه فكان يمشي بالليل ويكمن بالنهار خوفاً من ملاحقة ومطاردة أهل مكة لكل من يخرج من ديارهم قاصداً محمد صلي الله عليه وسلم في المدينة المنورة. وظل علي مواصلاً رحلته حتي وصل المدينة المنورة. هنا اطمأن خاطره وعمت الفرحة وجدانه. وحمد الله أن نجاه من بطش ومطاردة المشركين. وعندما بلغ خبر وصول علي إلي المدينة لرسول الله صلي الله عليه وسلم طلب استدعاء علي لكي يطمئن عليه ويعرف التفاصيل الخاصة برد الأمانات لأهلها. لكن قال الحاضرون: يا رسول الله ان علي لا يقدر علي المشي في هذه اللحظات تحرك سيد الخلق صلي الله عليه وسلم وتوجه إليه حيث استقر به المقام فلما أتاه النبي صلي الله عليه وسلم وشاهده علي هذه الحالة عانقه وبكي وذلك رحمة لما شاهده من ورم بقدميه فقد كانتا تقطران دماً بعد رحلة تجاوزت أكثر من ستمائة كيلو متر وسط أجواء وظروف أكثر صعوبة. أخذ الرسول صلي الله عليه وسلم يطيب خاطره. وبسماحته ورحمته فقد تكفل في يديه صلي الله عليه وسلم ومسح بهما رجلي علي المتورمتين وأخذ يدعو له بالعافية وأن يمن الله عليه بالشفاء العاجل. ومما يلفت الأنظار أن علي بن أبي طالب قد شفاه الله من هذه الآلام وظل طوال حياته لم يشتكهما حتي لقي ربه شهيداً. كل ذلك ببركة رسول الله صلي الله عليه وسلم. وقد استمر ابن الأسرة الهاشمية القرشية مرافقاً لرسول الله صلي الله عليه وسلم يتابع كل تعليماته مع إخوانه من المهاجرين والأنصار فقد جمعهم رسول الله صلي الله عليه وسلم علي كلمة الحق والتوحيد فصاروا كأنهم علي قلب رجل واحد فقد انصهر الجميع في بوتقة نور الحق والهداية بفضل من الله ورحمته.
هذا الفتي الهاشمي القرشي قد أجمع أهل التاريخ أنه شهد غزوة بدر وسائر المشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وعن سعد بن مصعب بن سعد قال: لقد رأيت علياً يرفع سيفه في وجه المشركين المقاتلين ثم يضعه في موضعه متأهباً لأي معركة. وكان يشيح بسيفه مهدداً قائلاً في مواجهة الأعداء: أنا مستيقظ دائماً. رحم الله هذا الفتي ونستكمل غداً بإذن الله الحديث عن هذا الفتي.