الرأى للشعب
مـصطفـى زكـى
أغيثــونا.. أغثيـتمــونا!

* بجناحين.. أحدهما من ماء، والآخر من نار.. أحاطت الأم ـ الهاجرة طوعا جنة تستحقها منذ زمن ـ أبناءها بعد أن جمعتهم فوق رياح هادرة تتقاذف أرواحهم.. ضمتهم إلى صدرها الذى كثيرا ما حاولت ـ عبثا فى مخادعة حنون ـ مهادنة جموحهم بإقناعهم بأن مازال لهم فيه ما يندى عروقهم ويجمع أعراقهم حول طيب عرقها.

ناجاها بعضهم بأن ما خصهم منها ليس أكثر من ترائب.. بعد أن استحوذ اولئك الذين اعتلوا جبهتها على سائغ لبنها ..أحست بأنين المحبين الخفيض يزلزل الأرض تحت قدميها.. أحكمت جناحيها عليهم.. فالريح عاصفة وأوتاد الأرض كأشواك عصف مسلوب.

تعلق المتسلقون بأهدابها، فانطفأت أنوار عيونها.. لم تر الخيط الأبيض من الأسود بين جناحيها فى ظلام عتيق.. تلامسا -الماء والنور - بإصرار نصف ملائكى نصف شيطانى.. تصاعدت الأبخرة الكثيفة الخانقة من أعلى الجباه وتساقط المطر إلى حيث لا أرض فحملت أبناءها.. إلى حيث....... لا سماء.

ملكة الأراضين وجنتها.. أعيتها حيل شياطين أجِنَّتِها.. أغاروا عليها، فأغاروا جروحها.. وتركوا لملائكتها العاجزين _ إلا عن الحلم المستحيل _ مهمة الإسعاف النازف.

****************

* متى يدرك الدعاة.. أن مهمتهم دعوة الناس.. وليست "الدعوة عليهم"؟!!

****************

* دائما ما نستمتع - نحن المصريين - بمتابعة المواجهات غير المتكافئة.. مثلا: فأر فى مواجهة صقر.. بطة بين مخالب أسد.. صفحة من كتاب متهالك تصارع أمواج محيط.. مناظرة بين يوسف زيدان....... والتاريخ.

***************

* صُفعتُ عندما حدثنى ناصر.. ذلك الفتى الجنوبى اليافع الذى مات أبوه قبل أن يدرك أن له أبا.. وعندما قُدر له أن يمضى سنواته الثلاث بعد العشرين فى القاهرة مجندًا فى محطة المترو.. أخذ يبحث فى كل الوجوه الآتية والمغادرة، عن عمه الذى صار قاهريا.. ولم يره الا فى صورة له فى عقده الثانى.

ناصر لا يعرف من رسم الحروف سوى أربعتها المكونة لاسمه.. ولا يعلم من شوارع القاهرة غير تلك المؤدية - سيرًا - الى محطة القطار في بداية الطريق الطويل الفاصل بين محل خدمته.. وقريته البعيدة.. ناصر الذي لا يعرف من "رموز الوطن" سوى "محمد أبو تريكة".. ومن "علماء" الكون المعاصرين إلا الشيخ محمد حسان، وإمام مسجد قريته.. انتفض من لدغة أصابت أذنيه عندما سمع صوت "فيروز" نابضا من هاتف بصحبة عابر.

ناصر لا يعرف "فيروز" أو غيرها.. لكنه يؤمن - يقينا - أن الغناء مُهلك لأصحابه وسامعيه - حسبما أخبره شيخه "الذى لا ينطق إلا صوابا" - فَكَرِه الغناء والمغنين والسامعين.. وحتما سيعود إلى قريته كارها أولئك الهالكين جميعهم، ليصير مشروع طلقة فى فوهة سموم أحدهم.. من كرهوا الحياة فكرههم نورها.

نعم يا سادة نحتاج لقانون طوارئ، بل قوانين.. طوارئ في التعليم، والتنوير.. طوارئ في الصحة.. طوارئ في مواجهة البطالة القاتلة القتيلة.. طوارئ في النظر إلى الأقاليم وإدراك ما يدور في زوايا ظلامها.. طوارئ لحماية بكارة ناصر.. وكل ناصر.

***************

* عادل إمام.. رامز جلال.. سمية الخشاب.. هاني رمزي.. حورية فرغلى.. وآخرون.. بِصَمتِكم أغيثونا.. فبألسنتكم أغثيتمونا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف