تقترب منا على مسافة اسابيع قليلة ذكرى أحداث ليلة الـ 30 من يونيو حيث ثورة الشعب في وجه الجماعة الإرهابية، وإسقاط مشاريع ومسارات ومتاهات التفتيت الدائرة فوق خرائط المنطقة منذ عقود وحتى الآن.
فورة "الربيع" بقدر خطورتها ، إلا أنها جاءت كاشفة لكثير من مناطق الوهن والضعف والترهل السياسي في أنظمة ودول المنطقة ، وهو الاكتشاف الذى استنهض الأمة المصرية من ثباتها لتنقذ نفسها ومن وقف معها من هجمات متتالية لم توقف حتى المس القريب بسقوط أقنعة الزيف القطرى في قمة الرياض.
علينا ونحن نتأمل اشتعال الحريق القطرى أن نسترجع بالذاكرة صلابة المشروع المصري في تلك الليلة التى التف الشعب فيها حول جيشه لاسترداد الوطن المخطوف من العصابة الظلامية.
ولو سقطت مصر وقتها لا قدر الله لم نكن لنرى تهاوى المشروع القطري – التركي – الايراني الى قرار الجحيم.
في تقديرى أن شعوب ودول المنطقة مدينة لشعب مصر وقائد ثورتها ، ولكل من التف وقتها معنا من ملوك وأمراء الخليج ، بالعرفان والامتنان أن كتب الله النجاة للرياض والقاهرة والمنامة وأبوظبي والكويت من مصير مشابه لما دار من فوضى ودمار في أحداث "الربيع".
النظام القطري أعلن منذ اللحظات الأولى أنه مع الربيع العربي .. ومع تكشف الحقائق يوما بعد يوم تبين أن الربيع العربي هو حفنة من المشاريع الاستعمارية ، فلدينا "المشروع الأمريكي الصهيوني .. المشروع العثماني .. المشروع الفارسي..أمريكا وإيران وإسرائيل و تركيا و إنجلترا..
لكل منهم مشروع في الشرق الأوسط بيخدّم عليه "الربيع العربي".
وقطر كانت حاضرة مع الجميع بشرط وحيد "أن من حضر القسمة فليقتسم معهم" ، وتوهمت أن أياً منهم يمكنه أن يفى بوعده اليها !!
والمفاجأة أن جميع هؤلاء سقطوا بصفعة واحدة من مصر في 30 يونيو.
ولم يكن ذلك يعني بأى حال من الأحوال أن المعركة انتهت بانتصار مصر ، وأن المخطط سقط الى غير رجعة .. لكنه كان يعنى أن مصر كسبت أهم معركة في الحرب الدائرة ودفعت بالجميع مجدداً الى نقطة الصفر بعد أن أنفقوا من عمر الزمن ثلاث سنوات وأكثر ، ومن خزائنهم مليارات أنفقت لإسقاط أنظمة وتجهيزات لأنظمة حكم ارهابية جديدة ..الجميع عاد ألف خطوة للوراء.
وهذا ببساطه كان يعنى أن مصر تنتظرها معركة طويلة لتثبت أقدامها وتحمى أرضها وشعبها أولاً ، ثم تنقض لاحقاً على من تجرأوا عليها.
ولكى ندرك حجم الارتباك الذى أصاب الجميع يكفي أن نعلم أن خبراء وجهابذة العلوم السياسية بالولايات المتحدة أمضوا العاميين الماضيين في محاولة توصيف ما حدث في مصر بشكل دقيق وهل هو انقلاب أم ثورة.
حرب طويلة خاضتها مصر بدماء وأرواح شهدائها لتقضي علي الإرهاب المنتشر في كل شارع من شوارعها علي يد جماعة الإخوان الإرهابية .. حرب دامية لتؤمن حدودها ، وتضبط اقتصادها وتحمي شعبها من سياسات ومخططات التجويع ، ثم تشتبك فكريا مع الجميع لإنارة العقول وإفاقتها من غيبوبة الربيع.
الأخطر أن المشروع المصري لم تنتهى حدوده عند انقاذ الأرض والشعب فقط ، لكنه انطلق لإنقاذ من حوله في دول الجوار ، فشاهدنا جميعا نسور الجو تحلق وتضرب في كل اتجاه، وعمليات اقتناص نوعية في العمق الاستراتيجي لمصر خارج حدودها في حملة تنظيف لمحيطها الجغرافي والسياسي غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.
وردا على ذلك أنفقت المليارات والخطط والبرامج لتدمير العمق الاستراتيجي لمصر في دول الخليج العربي بالكامل .. من أجل أن تسقط مصر في نهاية المطاف.
تحملت مصر سيل من الشائعات والضربات تكفي لتحول قارة كاملة مثل أوروبا إلي حطام في غضون عام واحد.
لكنهم أثناء انهماكهم في مخططات اسقاط مصر تفاجئوا بحلف مصر واليونان وقبرص ليغلق مجال البحر المتوسط .. وحلف مصري ليبي إماراتي ليؤمن الحدود الغربية .. وحلف مصري عراقي .. حلف مصري روسي .. حلف مصري صيني .. حلف مصري هندي .. وهنا ظهرت الصدمة للعيان.. إن مصر لها مشروع!
مشروع خفي لم ينتبه اليه أحد من الأساس ، إلا بعدما قطع شوط طويل ووصل لنقطة لا رجعة.