الأهرام
د. نصر محمد عارف
ثلاثة مشاريع فاشلة تبتلعها رمال قطر
رمال قطر ذرات حملها الريح من صحراء الإحساء وليوا، وشعب قطر اندياح بشرى من قبائل نجد والإمارات، لا يكاد يوجد قطرى إلا وعمه أو خاله فى السعودية أو فى الإمارات، نصف قبائل قطر سعودية، والنصف الآخر من الإمارات، حتى الأسرة الحاكمة فرع من قبيلة نازحة من شمال نجد فى الممكلة العربية السعودية، الأزمة فى جوهرها حدثت حين فاقت طموحات أبوعبدالله الصغير آخر ملوك غرناطة إمكانياته، فكانت نزعاته وأحلام السيدة والدته أكبر من شعب قطر، وأوسع من حبات رمالها، فارتمى فى أحضان أعداء قومه ومجتمعه، وسَلَمَ لهم القياد، بحيث لا تكاد تجد قطريا واحدا يقود أيا من المؤسسات الفكرية، أو يصنع السياسات الدولية، جميعهم إما من أعضاء التنظيم الفاشل، أو بقايا ماركسيين، أو أبناء أقليات دينية تحركهم عقد الكراهية التاريخية، أو من تنظيم طلائع الإسلام السرى الخطير الذى أنشأه مرشد الإخوان الأسبق فى سوريا عصام العطار المقيم فى آخن فى ألمانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي.

استطاع هذا الخليط غير المتجانس من غير القطريين أن يستحوذ على القوة السياسية فى قطر، وترك لأبى عبدالله الصغير ومساعديه مهمة الكلام، فصاروا كالببغاء يردد ما يقوله حامل الجنسية الإسرائيلية، أو تلميذ عصام العطار، أو مريدو الشيخ القرضاوى، وكان أن قادوا الدولة وشعبها إلى معارك ظاهرها مكانة لأبى عبدالله الصغير وأمه، وباطنها الإضرار بقطر وشعبها، وأعمامهم وأخوالهم، وهنا تم وضع قطر فى موقف صارت فيه مجمعاً للمتناقضات التى يحتار أن يجد لها الإنسان تفسيراً منطقياً، بخلاف ما يردده البوم والغربان من أبناء عشوائيات الوطن العربى من المؤلفة جيوبهم فى قناة الجزيرة وبعض المؤسسات البحثية والتعليمية القطرية.

جاءت الأزمة الأخيرة لحظة تاريخية كاشفة وفارقة فى تاريخ الأمة العربية والإسلامية، حيث كشفت إلى أى مدى كنا نعيش فى مؤامرة كبري، حكومة قطر بسذاجة الصغير تصدرت لمعظم فصولها… بالأمس كانت قطر تقف خصما وعدوا لدوداً يعوق المشروع الإيرانى فى سوريا، وحين تمت مفاوضات المدن الأربع: كفريا والفوعة ومضايا الزبداني؛ كان المفاوض القطرى يجلس فى مواجهة المفاوض الإيراني، القطرى يمثل تنظيم القاعدة المعروف بجبهة النصرة أو جبهة فتح الشام، والإيرانى يمثل حزب الله… واليوم إيران هى مرضعة أبا عبدالله بعد أن انقطع عن الصغير حليب بقر المراعى فى سلوى.

بالأمس كانت قطر عضواً فى التحالف العربى الذى يجهز على مشروع الملالى فى اليمن، واليوم إيران تكون أول من يدافع عن قصر أبى عبدالله الصغير، ثم تنكشف الحقائق أن مشاركة حكومة قطر فى عاصفة الحزم كان حصان طروادة، فرجالها من سربوا موقع أبناء أعمامهم وأخوالهم من جنود الإمارات، وكانوا سببا فى استشهاد أكبر عدد عرفته عاصفة الحزم. بالأمس كان أردوغان فى الرياض يحضر اجتماع مجلس التعاون الخليجي، ويشكل حلفاً مع السعودية وباقى دول المجلس لمواجهة الأطماع الإيرانية، ويحصل على استثمارات ومعونات وعقود، واليوم تركيا تشكل حلفاً مع إيران لحماية قطر من قبيلتها وعشيرتها، من أهلها وأبناء عمومتها وأخوالها، حلف تركى إيرانى لضرب دول الخليج وليس لحماية قطر، تركيا وإيران أعداء ألداء فى سوريا، وعشاق فى مسلسل تركى فى قطر….إنها لحظة تاريخية كاشفة.

وهى كذلك لحظة تاريخية فارقة تنتهى فيها ثلاثة مشروعات جملة واحدة، بضربة واحدة، هى فى حقيقتها ضربة ذاتية، لم يضربها لهم أحد، وإنما كانت لطمة التاريخ للفاشلين، ولما خططوه من مشاريع فاشلة، فاقدة للأساس الأخلاقى، سعوا لتحقيقها على أشلاء العراقيين والسوريين، واليمنيين والليبيين والمصريين والتونسيين. أولا: المشروع الإيرانى الصفوى المتسربل بعباءة آل البيت عليهم سلام الله، والمختفى تحت عمامتهم الشريفة، المشروع الفارسى فى اليمن وسوريا والعراق جاءت نهايته فى الأزمة القطرية، انكشفت أوراق إيران كاملة قبل مقاطعة قطر وبعدها، اتضح أن إيران متحالفة مع من يقتل جنودها فى سوريا؛ من ممولى جبهة النصرة وفتح الشام وغيرهما، وأنها تلعب السياسة فى أكثر صورها انحطاطاً، ومع مقاطعة قطر أدركت إيران أنها قد تتعرض لنفس العقوبة، وحينها لن تنقذها طائرة أو باخرة، لأن دولة بحجم إيران بسكانها الذين يتجاوزون الثمانين مليون إنسان حاجاتهم تفوق مائة مرة سكان قطر الذين لا يتجاوز عددهم بضع مئات من الآلاف، فدبرت إيران بسذاجة أحداث تفجيرات البرلمان وقبر الخومينى حتى تنضم إلى معسكر ضحايا الإرهاب، انتهى المشروع الإيرانى فى سوريا بعد دخول روسيا، وسينتهى فى العراق بعد انتهاء لعبة داعش التى أتقنتها إيران واستفادت منها … وكان الدفن فى رمال قطر حين ظهر مدى تآمرها وتناقضها. ثانيا: المشروع التركى الذى يتلقى الضربات الموجعة، والتراجعات المهينة منذ سقوط حكم الجماعة الفاشلة فى مصر، وكانت الضربة القاضية بدخول روسيا فى سوريا، وأخيرا انتقل المشروع السلطانى التركى الذى كان يسعى لإحياء العثمانية الجديدة إلى موقع الدفاع عن حدود تركيا بعد تمدد أكراد سوريا على طول الحدود التركية السورية، وبعد أن لاح فى الأفق استقلال كردستان العراق، وكانت النهاية مراسم الدفن فى رمال قطر، حين انكشفت كل أوراق أردوغان الذى تفوق على الممثل التركى مهند فى لعب دور البطل الإسلامى، وإذا هو لا يجيد إلا سياسة الكراخانة التى صعدت به إلى منصب عمدة إسطنبول فى أول حياته السياسية. خسر أردوغان كل شىء وكسب ود أبى عبدالله الصغير والجماعة الفاشلة، وسيكون مصيره مصيرهم.

ثالثا:المشروع القطرى/الإسرائيلى القائم على التفتيت والإرباك والتشتيت، تفتيت فلسطين وإرباك شعبها وقيادتها بين فتح وحماس، وتفتيت مصر وإرباك شعبها بين شرعية السجين الدكتور محمد مرسي، وشرعية الدولة المصرية، وتفتيت ليبيا وإرباكها بين مئات الميليشيات من المجرمين وقطاع الطرق الذين يتلقون تعليماتهم من الدوحة، وتدمير سوريا لتأمين إسرائيل، وضمان استقرارها فى الجولان، ولإرضاء أبى عبدالله الصغير بالانتقام من بشار الأسد الذى رفض مرور خط الغاز القطرى إلى أوروبا بأراض سورية، دفن هذا المشروع فى رمال قطر مع أحلام أبى عبدالله الصغير وطموحاته التى فاقت إمكانات وطنه وشعبه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف