سورة الواقعة واحدة من السور المكيّة، موضوعها «القيامة» وما يتبعها من أحداث وأهوال واختلاف فى مآلات البشر طبقاً لأعمالهم. لحظة «القيامة» هى لحظة تحوُّل فى حياة البشر، ليس ما قبلها مثل ما بعدها، لحظات عديدة يمكن أن يمر بها الفرد أو الجماعة يصحّ وصفُها بـ«القيامة»، لأنها تنقلهم من حال إلى حال، وتضعهم فى واقع مختلف. المصريون على سبيل المثال اعتادوا وصف الأحداث الفارقة المفاجئة التى تواجههم بـ«الواقعة»، ويبدو أن المعانى التى تحملها السورة الكريمة كانت فى خلفية تفكيرهم وهم يَسكّون هذا الوصف. فـ«الواقعة» تعبّر عن حدث مدهش مفاجئ يزلزل أركان الواقع ويرجّه رجاً، يعلو بأقوام ويسفل بأقوام.
تأمّل الآيات الكريمة: «إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثّاً»، مشاهد مرعبة تبدأ بجرس إنذار «إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ» فلن يستطيع أحد أن يصرفها أو يدفعها أو يحول دون وقوعها، لأن إرادة الله شاءت «لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ». حين تقع الواقعة فإنها لا تترك البشر على نفس الحال التى كانوا عليها قبل وقوعها، إنها ترفع أقواماً ربما امتازوا بتواضع الحال وضعة الشأن، وتهبط بأقوام من القمم الشاهقة إلى أسفل سافلين، إنها قادرة على تقليب البشر، كيف لا وهى تزلزل الأرض أسفل أقدامهم؟! الواقعة حين تقع لا تدع أحداً فى مكانه حتى هؤلاء الذين يتحصنون فى الجبال -أعتى الحصون- لن يكونوا بمنجى منها، لأن الجبال سوف تنهار وتتفتت فوق رؤوسهم.
عندما تقع الواقعة ينقسم البشر إلى فرق وتكتلات، كل منهم يفارق الآخر فى السمات والتفاصيل والتوجهات، يقول الله تعالى واصفاً حال البشر بعد أن تقع الواقعة: «وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً»، والأزواج الثلاثة كما تفصلهم الآيات الكريمات هم مجموعة «السابقون»، وهم كثرة من الأولين وقليل من الأجيال التالية، وأصحاب الميمنة وهم كثرة فى كل جيل، وأصحاب المشأمة وهم بلا عدد (من كثرتهم بالطبع)، كذلك ينقسم الناس عند وقوع أية واقعة أو حدث يزلزل كيانهم إلى ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهى القلّة التى تحاول رد الأمور إلى نصابها وإعادتها إلى أوضاعها الأصلية الصحيحة، وكثرة تبحث عن فائدة أو مصلحة أو جائزة فيما يحدث، فتجتهد فى استثمار حالة الارتباك التى تصيب الناس بعد أن يرجّ الحدثُ الكبيرُ حياتَهم، وتسعى سعياً حثيثاً نحو الحصول على ما يمكنها من مكاسب وغنائم، أما الغالبية فهى تنظر إلى ما يحدث دون اكتراث، ورغم أنه من الممكن أن تكون هذه الفرقة الأكثر ضرراً، أو المسئولة عن دفع جميع المغارم المترتبة على الحدث المزلزل، فإنها تتعامل مع الأمر بلا مبالاة! من الآيات الأخرى بالغة الدلالة فى سورة الواقعة تلك الآية التى يقول فيها المولى عز وجل: «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ»، وهى تصف حال أقوام جعلوا من الكذب بضاعة لهم يتحصلون من ترويجه على أرزاقهم فى الحياة، أمثال هؤلاء فى كل عصر هم مَن يقفون وراء تلك الصناعة الخطيرة فى حياة البشر: «صناعة الكذب»!