جريدة روزاليوسف
د. محيى الدين عفيفى
علاج التعصب
إن الإسلام دين واقعى، لأن الله تعالى خلق الإنسان وهو أعلم بظروفه وطاقاته التكليفية، وقدرته على الاحتمال فى كل ظرف وحال، لذلك فمن العبث الاعتقاد بأن الله يكلفه بما لا يطيق، أو يشرع ما لم يكن قابلا للتطبيق ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك:13].
ولذا فإن الله تعالى قال: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» [البقرة:286] وقال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾[الطلاق:7] وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ» وقال: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا»، ولذا فإن من أهم سبل العلاج للتعصب بيان سماحة الإسلام ويسره ومراعاته لطاقات الإنسان وعدم إرهاقه وإن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية: التيسير ورفع الحرج عن الناس وأن النبى صلى الله عليه وسلم: «ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما..».
إن علاج التعصب يتطلب معرفة كيفية إدارة الخلاف حول الأسباب التى أدت إلى التعصب، ولذا فإن من أهم سبل العلاج للتعصب معرفة كيف ندير الخلاف، وكيف نتربى على قبوله، والإقرار بأنه حق إنساني، بل حق وواجب إسلامي، ونتعلم كيف نختلف، لأن ذلك ليس أقل شأنًا من أن نتعلم كيف نتفق، وكيف نصل إلى مرحلة الاعتراف (بالآخر)، وأن له كل الحق أن يكون له رأى كما أن لنا رأيًا.
وإذا أحسنا إدارة الخلاف، وتحلينا بأدبه، تحول إلى اختلاف تنوع وتكامل وتعاون ونمو، وأصبح علامة صحة، وإثراء وإغناء للمسيرة.
إن الأزهر الشريف أكد أن التعددية بين الناس واختلافهم طبيعة قررها القرآن الكريم، ورتب عليها قانون العلاقة الدولية فى الإسلام، وهو «التعارف» الذى يستلزم بالضرورة مبدأ الحوار مع من نتفق ومن نختلف معه، وهذا ما يحتاجه عالمنا المعاصر – الآن – للخروج من أزماته الخانقة، ومن هنا كان من الصعب على المسلم أن يتصور صب الناس والأمم والشعوب فى دين واحد أو ثقافة واحدة، لأن مشيئة الله قضت أن يخلق الناس مختلفين حتى فى بصمات أصابعهم.. ومن هنا كان من الطبيعى والمنطقى أن ينفتح المسلمون على المسيحيين واليهود وعلى سائر الناس انفتاحًا لافتًا للنظر من خلال جسور العيش المشترك والسلام المتبادل.
إن الأديان إنما تُفهم من تعاليمها الإلهية ومن تطبيقات الأنبياء الذين حملوا هذه التعاليم وبلغوها للناس ودعوهم إليها.. هكذا كانت رسالة سيدنا محمد، وهكذا كانت رسالة سيدنا عيسى وسيدنا موسى وكل رسالات السماء إلى البشر.
ومع أن الأزهر دائم الاهتمام بتجديد خطابه ومناهجه التعليمية، إلا أنه ضاعف من هذه المهمة فى السنوات الأخيرة، من خلال تدريس مقرر الثقافة الإسلامية فى جميع مراحل التعليم فى الأزهر الشريف لبيان سماحة الإسلام فى معاملة الأديان الأخرى، واحترام تعاليم الإسلام للأديان، وبيان مشيئة الله تعالى فى اختلاف أجناس الناس وألسنتهم وألوانهم، وإن اختلاف المسلم عن غيره لا يعنى انعزاله عنه، وأن أول تعاليم الإسلام ﴿لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ والعدل فى التعامل مع الناس مسلمين وغير المسلمين وأن الاختلاف فى الدين لا يبيح الظلم لغير المسلمين، أو التعدى عليهم وأن الإسلام يحترم إنسانية الإنسان دون النظر إلى دينه أو مذهبه أو لونه، أو لغته، لأن الإنسانية أسرة واحدة فى ظل مواطنة عالمية تقوم على التعارف والتآلف والتواصل كل ذلك وغيره من الموضوعات العلمية التى ترسخ لثقافة التعددية والتنوع فى مواجهة الغلو والتعصب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف