بوابة الشروق
جمال قطب
«القضاء - مسئولية - مبادئ - رجال - مهارات» -18- بعض خصائص قاضى القضاة
منصب قاضى القضاة وإن كان رفيع المكانة إلا أنه يخضع للقانون ولا يعلو عليه. فضلا عن تعاظم مسئولياته حيث تزداد مسئولياته بمقدار زيادة مساهمته فى الحياة الاجتماعية والسياسية. ونضع أعيننا الآن على بعض خصائص هذا المنصب.
ــ1ــ
حينما تتوافق الدول على تخصيص المناصب بل والوظائف بملابس خاصة، أو بإضافة أجزاء معينة إلى الزى المعتاد للناس.. عند ذلك لابد للقضاة بصفة عامة ولقاضى القضاة بصفة خاصة من الالتزام بالزى الخاص به أو بتلك الشارات المخصصة له. وبدأ تميز ملابس قاضى القضاة بـ«عمامة» مخصوصة، أو بـ«غطاء رأس» له هيئة خاصة أو لون خاص. وقد تطور الزى الخاص بقاضى القضاة بل وبالقضاة جميعا مع تطور الدول حتى أصبح جميع القضاة وقاضى القضاة معهم يلبسون «الحلة الأوروبية الكاملة» مثل سائر موظفى الدولة، غير أن القضاة محظور عليهم عدم تكامل الزى بما فيه رباط العنق مضافًا إليه وشاح القضاء تعريفًا بهم وتخصيصًا لهم بين بقية الشاغلين للعمل القضائى. وفى العصور السابقة كثيرًا ما خصصوا للقضاة «ركائب خاصة» بغال قوية يصيغون عليها سروج مميزة.
ــ2ــ
وإذ ذكرنا رواتب القضاة ومخصصاتهم المالية، نلمح نماذج متعددة مِن مَن تولى منصب قاضى القضاة. ومن أفضل هذه النماذج هؤلاء الذين شغلوا المنصب ولديهم ما يكفى نفقاتهم فتراهم عند تولى المنصب يشترط عدم تقاضيه أجرًا، ومن هؤلاء: محمد بن صالح الهاشمى قاضى قضاة بغداد سنة 363 هـ، وكذلك تولى شرف الدين السبكى منصب قاضى قضاة المالكية فى مصر مشترطًا عدم تقاضيه أجرًا، وفى مصر أيضًا فعل هذا شمس الدين المقدسى عند توليه منصب قاضى قضاة الحنابلة.
ونموذج ثانٍ من هؤلاء وهو النموذج المعتاد لرجل القضاء الذى يتقاضى أجرًا على عمله، فكان قاضى القضاة يحصل على راتب يماثل راتب القاضى وقد يتجاوزه بشىء قليل، لكن هدايا الأمراء !!! كانت راتبًا مميزًا لبعض القضاة وهدايا القاضى وعطياته بكل صورها موضع جدل حاد وشديد بين مشروعيتها وعدم مشروعيتها وما يترتب على ذلك من إضعاف الثقة ليس فى من يأخذ فحسب، بل فى القضاء كله على ما نعرضه فى مقال آخر.
وقد ابتلى القضاء بلاء شديدًا حينما أدخل الأمير «معز الدولة» سنة 350 هـ نظام الالتزام فى القضاء!!! إذا كان القاضى يدفع مبلغًا ضخمًا مقابل توليه القضاء!! وهذا أبو العباس عبدالله بن أبى الشوارب يسدد مائتى ألف درهم سنويًا لخزانة الدولة!! لماذا؟ وكيف يسترد بدلها؟! وقد نجد بعض الدول تجعل معاشًا للقاضى عندما يحال إلى المعاش أو يترك الخدمة.
ــ3ــ
قلنا: إن قاضى القضاة منصب رفيع لكنه غير مستثنى من الخضوع للقانون، كما أنه ليس فوق المراقبة والمحاكمة والخضوع للجزاء خصوصًا وأن منصب قاضى القضاة قريب من الحاكم مما يستدعى دائمًا الحرص على رضائه، أو على الأقل عدم إغضابه. ومن ناحية أخرى فمنصب قاضى القضاة منصب مرجح نهائى فهو وحده يمثل دور محكمة النقض حاليا. وهو مسئول عن محاكمة كبار المسئولين.. وكل ذلك يجعله معرضًا دائمًا للسطوة والرشوة والكيد والمؤامرات.
وكثيرًا ما تعرض هؤلاء للعزل.. فقد جاءوا للمنصب بغير استحقاق ويعزلون منه دون حق، وخير مثال لذلك بن أبى داوود قاضى القضاة زمن المأمون والمعتصم والواثق ثم المتوكل، ثم عزله المتوكل وصادر أملاكه وأملاك أبنائه، وكما كان تعيين البعض أعجوبة مضحكة، كان عزل هؤلاء أعجوبة مبكية.
ــ4ــ
وحيث تغض الدولة طرفها عن الشرع وعن العدل، يجىء تعيين القضاة مهازل تستدعى غضب البعض واستهزاء البعض واعتراض البعض، وكل ذلك يضعف الثقة فى القضاء. وما دام القضاء أصبح بيد الأمراء فلا تنزعج حينما تقرأ عن رشوة القضاة حتى من الدولة، وإحاطة القاضى بما يجعله مجروحًا مفتقدًا لثقة المواطنين. وكثيرًا ما قرأنا عن محاكمة هؤلاء وتأديبهم وسجنهم..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف