الأهرام
أحمد هوارى
«تيران وصنافير».. والفخ الأخطر
ها قد أصدرنا على أنفسنا أحكام الوطنية السريعة المعلبة المختزلة فى سؤال.. وعلقنا رقابنا على مشانق الخيانة، وأدلينا بدلونا فى مزاد الوطنية المنصوب، وتنابذنا بالمواقف، ولوحنا بالتاريخ مهددين.. وتشاتمنا بمزاعم التفريط.. حتى تفرقنا بين وطنى وخائن.. وسقطنا فى أخطر فخ كامن فى تفاصيل الملف الشائك .. ملف «تيران وصنافير».

سؤال واحد.. يخشى فيه الجميع لومة اللائمين وسهام المخونين.. هل هى مصرية أم سعودية؟.. والواقع أننى لا أعلم.. وأنت كذلك لا تعلم.. ما نقوله خليط من الرغبة والعاطفة والانتماء المفرط والشعور الصادق بمحبة كل ذرة من تراب هذا الوطن.. مؤيد بوثائق وخرائط وشهادات.. ولكنه ليس حقيقة مطلقة للأسف.. حتى ما حكم به القضاء ليس دليل نفى أو إثبات.. فما أثبته قاض نفاه آخر.. وما حكمت به محكمة حكمت بغيره أخرى.. حتى الخرائط والوثائق والمخطوطات ومقاطع الفيديو وشهادات المؤرخين.. تتأرجح بين إثبات مصريتهما و سعوديتهما على حد السواء.. وعلى كل جانب تتراكم مسوغات إثبات الملكية ملء سطح الجزيرتين، وعلى ارتفاع صخورهما.. فأين الحقيقة؟ ومن يفتينا؟

الواقع أنه لا مفت فى أمر كهذا أصدق ممن استرد سيناء برمتها.. خير من حفظ كل ذرة من ترابها ولم يزل يحفظ.. القوات المسلحة المصرية.. هنالك إرث لا نهاية له فى مدرسة العسكرية المصرية عن كل شبر فى سيناء.. تاريخ ساكن لا يغادر عقول وقلوب عشرات الجنود ممن سطروا بدمائهم دروبها ولونوا بها سماءها وما حواه بحرها.. سيناء انتصارهم الأكبر والأثمن والأشرف.. سيناء كل ما يملكون.. وهنا يا سيدي.. هنا أكثر من أى مقام آخر .. تكمن خطورة التخوين.

المخونون والمسلطون لأسلحة التفريط الثقيلة لم يرحموا أحدا.. لا رئيساً ولا جيشاً ولا وزاراتٍ ولا مؤسساتٍ ولا أفرادا.. قوائم لا آخر لها.. تقسمنا بين وطنى وخائن ومفرط ومهادن وعميل.. يزداد طولها باطراد.. ويتفاقم بها الاستقطاب.. وتنشق بها الصفوف.. وتتسع بها الفرقة.. ويصيد فى مائها العكر الساسة بأطماعهم للسلطة.. ومقاولو المعارك الانتخابية بأسلحتهم القذرة.. والنخب الطامحة فى مواقف للتاريخ.. والمعارضون الساعون وراء شعبية.. وأقطاب مواقع التواصل الباحثون عن جمهور المتفاعلين.. والرافضون لكل شئ، وأى شئ من أنصار التأسلم السياسي.. ممن أدركوا فجأة قيمة حدود الوطن وغلاوة أراضيه.. وخلف كل أولئك جمهور منا.. من الشباب الصادق دوما المخلص دائما المتحمس أبدا.. لم نزل، للأسف، وقودا لمعارك الكبار.. لا تيران ها هنا ولا صنافير.

والظاهر أن حملات انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل بدأت مبكرا فى تسجيل النقاط وحشد الأصوات.. تيران وصنافير اليوم.. غدا ارتفاع الأسعار.. بعده تراجع الحريات.. ضربات متوالية ستبلغ الفترة المقبلة سرعة قصوى.. وكثافة غير مسبوقة.

والحق أن حب الوطن إن كدرته الكراهية صار تعصبا لا مكان فيه لعقل أو لحكمة، بينما الأولى للحفاظ على تراب الوطن إخماد الفتن لا تأجيجها بالتخوين، ووأد فرقة قد يفاقمها المستقبل من مهدها، ولنا فى بلدان حولنا عبرة حاضرة، استُبيحت أرضها وانتُهكت أعراضها، حتى صار الوطن لأبنائها إما منفى أو ملجأ أو تحت أنقاض أو بأعماق بحر.. لا بشئ إلا بسقوط مؤسسة كتلك التى نرميها، قصدا أو دون قصد، بتهمة التفريط، وما أخطرها من تهمة!

والواقع أن من يجرؤ على وضع جيش مصر على هذا المحك هو الخائن لنفسه وللحقيقة.. فلا أخلص ممن وهب حياته وماضيه وحاضره ومستقبله فى سبيل الأرض والعرض.. تلك تقاليد مؤسسة عسكرية عتيدة، تقوم على مبادئ راسخة لا مجال للحيد عنها.. أولها حماية الوطن وأرضه ومقدراته، وصون الأمن القومى والحفاظ عليه، والمراقب المحايد لسياسة مصر الخارجية فى الأعوام الأخيرة سيجد هذا البعد فى كل خطوة تتخذ.. وكل قرار يصدر.. وكل إجراء يتبع.. لا مجال لاستثناءات من أجل صفقات أو بيع أو شراء أو أى غرض آخر سوى الوطن وأمنه وسلامته.. فما الذى جد؟ وكيف يفرط من لا يملك خيار التفريط؟ وكيف يخون من لا يوجد فى قاموسه مكان للخيانة؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف