د. محمود خليل
رؤية لمسلسل «الجماعة 2» (2)
كانت حالة الاختمار الثورى قبل قيام الضباط بالتحرك ضد الملك فى يوليو 1952 فى قمة توهجها. مصريون كثيرون كانوا يتوقعون قيام ثورة، محللون متنوعون كانوا يرون أن المشهد مؤهل لتغيير كبير. كل الأطراف المتصارعة داخل الشارع المصرى كانت تمتلك هذه القناعة، وهو الأمر الذى جعلها تؤدى على الشاكلة نفسها. كان للإخوان جهاز خاص يقوم بمهام تصفية خصوم الجماعة، فى المقابل كان لدى أغلب القوى السياسية الأخرى أجهزة شبيهة تقوم بعمليات قتل وتصفية، كذلك كان تنظيم مصر الفتاة الذى أسسه المرحوم أحمد حسين، وحركة «حدتو» الشيوعية، حتى الملك كان له جهاز خاص أطلق عليه مسمى «الحرس الحديدى» كان من ضمن أعضائه الرئيس الراحل أنور السادات، وعلى يد أعضاء من الحرس الحديدى اغتيل الوزير أمين عثمان. حرصت كل التنظيمات الخاصة التابعة للقوى السياسية حينذاك على تجنيد ضباط من الجيش للاستفادة من خبراتهم العسكرية، كذلك فعلت «الإخوان»، وكذلك فعل غيرها، وكذلك فعل جمال عبدالناصر، كما فعل خالد محيى الدين، كما فعل أنور السادات وغيرهم.
كان كل طرف من الأطراف المتصارعة على ثمرة الحكم التى أوشكت على السقوط عام 1952 تتطلع للاستفراد بها، وحرمان باقى الأطراف منها، الكل كان يفكر بهذه الطريقة: الضباط والإخوان والشيوعيون، وحتى التنظيمات الصغيرة، مثل «مصر الفتاة»، ولا أريد أن أبالغ وأقول إنه حتى حزب الوفد كان يفكر بهذه الطريقة، منذ تولى تشكيل الحكومة فى مصر على أسنة رماح الإنجليز عام 1942. كالعادة توحّدت كل الأطراف ضد الملك والإنجليز، فقامت الثورة وهى تؤازر بعضها البعض، إلى حد أن كان الإخوان فى ظهر الضباط، وهم يخلعون الملك فاروق، وما أن نجحت الثورة حتى بدأ كل طرف يبحث عن كرسى الحكم، وأخذ يفكر فى الطريقة التى يمكن أن يستفرد بها بالكرسى دون الآخرين. هذا الملمح فى المشهد السياسى عام 1952 كشفه مسلسل الجماعة بحرفية ظاهرة، وباستدعاء متقن للوثائق التاريخية المتاحة حول الصراع على الحكم خلال هذه المرحلة.
كشف المسلسل أيضاً عن وجود مستويين للصراع، أولهما الصراع الداخلى، وثانيهما الصراع الخارجى. الصراع الداخلى ظهر داخل مجلس قيادة الثورة بين جمال عبدالناصر ومحمد نجيب، وداخل الإخوان بين المرشد الجديد حسن الهضيبى وعبدالرحمن السندى مسئول الجهاز الخاص. وقد استغل الطرفان الأكثر ظهوراً على مسرح الصراع: الإخوان والضباط حالة الانقسام الداخلى تلك لتحقيق هدف الاستفراد بالحكم، فسارع فريق «الهضيبى» إلى التلحف بمحمد نجيب، وسارع «نجيب» إلى التلحف بهم، وبادر جمال عبدالناصر إلى استغلال عبدالرحمن السندى وتوظيفه فى صراعه مع «نجيب» من ناحية، ومع الجماعة من ناحية أخرى. «عبدالناصر» كان يرفض وصاية الإخوان على الثورة، والإخوان كانوا يرفضون النظر إليهم كمجرد جماعة دينية يصح أن يكون من بينهم وزير للأوقاف، وآخر للشئون الاجتماعية، فقد كانوا يطمحون إلى ما هو أكبر، إلى كرسى الحكم ذاته، فظهر تناقض ضخم فى المصالح بينهم وبين «عبدالناصر»، لكن الأخير كان أسرع فى سحق رؤوسهم، فى وقت كانوا فيه شديدى الحرص على سحق رأسه. فى لعبة الحكم كل شىء مبرّر.. والغاية تُبرر الوسيلة.