في رحاب الإمام علي بن أبي طالب. نتعلم من أهل العلم والإيمان الكثير مما يفيدنا في حياتنا نتتبع خطوات رجل أتاه الله من فضله نعماً كثيرة. ويكفي أن معلمه. بل ومعلم البشرية. سيد الخلق "محمد" "صلي اللَّه عليه وسلم". فها هو عمار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله "صلي اللَّه عليه وسلم" يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي.. إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها. الزهد في الدين.. فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً. ولا تنال الدنيا منك شيئاً. ووهب لك حب المساكين. ورضوا بك إماماً. ورضيت بهم أتباعاً. فطوبي لمن أحبك وصدق فيك. وويل لمن أبغضك وكذب عليك. فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك. فهم جيرانك في دارك. ورفقاؤك في قصرك. وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك. فحق علي الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة. وقد حقق الله سبحانه وتعالي قول رسول الله "صلي اللَّه عليه وسلم" في وصف علي بن أبي طالب. رضي الله عنه. فها هو محمد بن كعب القرظي يقول سمعت علياً بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني وأني لأربط الحجر علي بطني من الجوع. وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار. وقيل أربعين ألف دينار. جعلها كلها صدقة لله تعالي. فهو لم يدخر مالاً. يقول ابنه الحسن. رضي الله عنهما: "انه يوم مقتل أبيه لم يترك سوي ستمائة درهم اشتري بها خادماً".. وعن أبي بحر يقول: رأيت علي عليّ. عليه السلام إزاراً غليظاً. قال: اشتريته بخمسة دراهم. فمن أربحني فيه درهما. بعته. كل ذلك تعبير عن زهده في متاع الحياة الدنيا. فقد أعرض عنها بكل ما وهبه الله سبحانه وتعالي من قوة وصدق في جانبه: "من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه. ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها. وما له في الآخرة من نصيب" "الشوري" ويقول أبوالنور. أحد تجار أقمشة القطن في ذلك الزمان: أتاني عليّ بن أبي طالب. ومعه غلام. فاشتري قميصين من القطن. ثم قال للغلام: اختر أيهما شئت؟!.. فأخذ أحدهما. وأخذ علي الآخر. فلبسه ثم طلب من التاجر البائع أن يخيط أطرافه وتسويتها. ثم ترك البائع وذهب إلي حال سبيله. وقد استمر الإمام عليّ في تواضعه وزهده وعطفه علي الفقراء والمحتاجين وعندما تولي شئون المسلمين كان العدل والرحمة في التعامل في كل الشئون. يقول عبدالملك بن عمير: حدثني رجل من ثقيف: استعملني علي بن أبي طالب علي بلدة "مدرج سابور" بإحدي الولايات التابعة والخاضعة لحكم المسلمين. يضيف قبل أن أذهب لهناك استدعاني عليّ بن أبي طالب. وأصدر لي تعليمات منها: لا تضرب رجلاً بسوط من أجل تحصيل ضرائب. ولا تنقص لهم رزقاً ولا كسوة شتاء ولا صيفاً. ولا دابة. يتعاملون عليها. أي يعتمدون عليها في شئون تجارتهم. وأرفق في حقوق الدولة. وهنا قال الرجل من ثقيف: يا أمير المؤمنين هذه التعليمات سوف تجعلني أعود إليك كما ذهبت من عندك. لأني سأكون مكتوف اليدين. فقال له: ويحك إذا رجعت. إنما أمرنا أن نأخذ الحق في إطار العفو والفضل. بمعني أن نكون رفقاء بهم كي يجودوا بما لديهم من أموال. تلك هي قواعد تعامل الحاكم مع من يتولي شئونهم. تقطر رحمة. وتتسم بالعدل. وهذا الأسلوب هو الذي يجعل الناس تقبل علي دفع الحقوق بنفس راضية دون قهر أو قسوة أو تضييق في كسب الرزق حتي الحيوانات التي يستعملونها في شئون تجارتهم. إنها الضوابط التي أرسي معالمها سيد الخلق محمد "صلي اللَّه عليه وسلم".
لقد كان الإمام علياً بن أبي طالب. ينفذ كل ما تعلمه في رحاب رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم". ولذلك كان قوياً في تنفيذ تعليمات الرسول حينما تركه في فراشه ليلة الهجرة من مكة إلي المدينة المنورة. ويقول أهل العلم إن قول الله تعالي: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللَّه" نزلت علي رسول اللَّه وهو في طريقه للمدينة المنورة بسبب هذا الموقف من علي بن أبي طالب. بمعني أن سبب نزول هذه الآية موقف علي بن أبي طالب في ليلة الهجرة.
لقد ظل الإمام علي ثابتاً في زهده والإنفاق في سبيل الله بكل نفس راضية. يبتغي فقط رضاء ربه سبحانه وتعالي. يقول عبدالله بن عباس. إن قول الله تعالي "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية" "البقرة:207". نزلت في الإمام علي بن أبي طالب. لأنه كان عنده أربعة دراهم. فأنفق بالليل واحداً. وبالنهار واحداً. وفي السر واحداً وفي العلانية واحداً. وتنقل كتب السيرة والتراجم أن عليّ بن أبي طالب كان محل ثقة رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم" ففي أحد الأيام كان رسول اللَّه قد استخلف علياً علي شئون بيته في رحلاته بعيداً عن البيت. فقال علي: يا رسول الله.. تخلفني مع الصبيان والنساء؟!.. فقال الرسول "صلي اللَّه عليه وسلم": أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي. إلا أنه لا نبوة من بعدي".. ولا غرو. فالإمام علي بن أبي طالب. كان يتمتع بحب الله ورسوله لأن رسول الله "صلي اللَّه عليه وسلم" أخبر أصحابه يوم معركة خيبر أنه سيعطي راية المسلمين لرجل يحبه الله ورسوله. وكان علي هو ذلك الرجل. ومما يروي عن رسول الله "صلي اللَّه عليه وسلم": "لا يحبك يا علي إلا مؤمن. ولا يبغضك إلا منافق".. كما أنه كان "صلي اللَّه عليه وسلم" يقر تصرفات علي بن أبي طالب لأنه غرس في وجدانه القواعد الثابتة للمؤمن حقاً.
عن فضائل الإمام علي بن أبي طالب وثباته علي الحق والتزامه بالحق والعدل في كل تصرفاته. يقول جابر ابن عبداللَّه: "كنا مع رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم" في سور بالمدينة المنورة. فقال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فجاء أبوبكر فهنيناه. ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة. فطلع عمر. فهنينهاه. ثم قال هذا الكلام مرة ثالثة. فجاء عليّ فهنينهاه. والأكثر توضيحاً أن رسول اللَّه آخي بين أصحابه. فجاء عليّ فقال: يا رسول الله: آخيت بين أصحابك. ولم تؤاخي بيني وبين أحد. فقال رسول اللَّه "صلي اللَّه عليه وسلم": أنت أخي في الدنيا والآخرة.. ورحم اللَّه الإمام علي وجزاه خيراً عن كل ما قدم من أعمال الخير وليتنا نترسم طريق هذا الرجل الذي امتلك الإيمان قلبه وكل وجدانه.
.. ونستكمل الحديث عنه غداً بإذن اللَّه.