علاء عريبى
تيران بين البرلمان والقضاء
إذا كانت الحكومة قد وقعت مع المملكة اتفاقية تعيين الحدود، وتنازلت أو أعادت خلال الاتفاقية جزيرتى تيران وصنافير إلى المملكة استنادا إلى العشرات من الوثائق التى تؤكد تبعيتهما للمملكة، لماذا لم تنشر نص الاتفاقية ووثائقها للرأى العام خلال الفترة الماضية؟، لماذا قررت إخفاء الوثائق التى تدعى أنها تثبت تبعيتها للمملكة؟، لماذا فضلت الحكومة إثارة الرأى العام؟، لماذا دفعت النخب للغضب؟، لماذا جرت المشهد إلى الانقسام؟. هل لكى تستخدم ثورة النخب وغضبهم كورقة ضغط تجاه المملكة؟، هل لكى تختبر حجم المعارضة السياسية وقوتها فى الشارع؟، ولماذا قررت مناقشة البرلمان للاتفاقية خلال أزمة قطر؟، ألم تخش من تجاوزات المعارضة لشق الصف المصرى الخليجى؟، ألم تفكر فى الصراع الذى قد ينشب بين الشعبين المصرى والسعودى فى وقت تحتاج فيه بلدان الخليج ومصر إلى الاصطفاف فى جبهة قوية لمواجهة أزمة حكام قطر؟.
سبق وذكرنا أن أجيالنا تربت على فكرة القومية العربية، وأن الأرض مثل العرض، وما أخذ بالقوة يسترد بالمعاهدات، فقد ولدنا والصراع العربى الإسرائيلى على أشده، وعندما وصلنا المرحلة الابتدائية قامت إسرائيل بضرب جميع الطائرات المصرية، واحتلت فلسطين، وسيناء وجنوب لبنان، وأجزاء من الأردن، والجولان السورية، وعرفنا بعد أيام من هذه الهزيمة أن الرئيس عبدالناصر، وهو الذى تسبب فى احتلال العدو الصهيونى لمساحات من الأراضى العربية، سبق وقام بإغلاق مضيق تيران، وسمعنا أيامها أن تيران فى الأصل سعودية، وقد احتلتها مصر لكى تتحكم فى خليج العقبة.
نعيد ونكرر نحن لسنا ضد إعادة الجزيرتين إلى المملكة إذا كانتا بالفعل تتبعان لها، ولسنا بصدد التشكيك فى الأجهزة، أو تكذيب الرئيس أو الحكومة المصرية، بل نحن فقط نطالب بأن يطرحوا الوثائق للرأى العام، وأن نعطى الفرصة لمناقشتها وتحليلها.
على أية حال، السؤال الذى يفرض نفسه علينا اليوم، هو: ماذا لو وافق البرلمان على إعادة تيران وصنافير إلى المملكة؟، ماذا لو أقر الاتفاقية؟، هل سنأخذ بقرار البرلمان أم بحكم المحكمة الإدارية العليا؟.
البرلمان سلطة تشريعية، والمحكمة سلطة قضائية، والسلطتان لهما قدرهما وسيادتهما، وكل منهما له استقلاليته ويقفان على درجة واحدة، وليس لسلطة منهما سلطة على الأخرى، فكيف نختار بينهما؟، بأى قرار نأخذ، بقرار القضاء أم بموافقة البرلمان؟. ولماذا؟، وما هى حيثيات رفض قرار إحداهما؟.
أغلب أظن أن الحكومة مطالبة لكى تخرج البلاد من هذه الأزمة الحادة، بأن تطرح الاتفاقية فى حالة موافقة دعم مصر عليها فى البرلمان، إلى الاستفتاء العام اعمالا بنص المادة 151 من الدستور: «ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة»، خاصة وأن المادة نصت على حظر ابرام معاهدات يترتب عليها تنازل عن جزء من الوطن.