عائشة عبد الغفار
هل تزدهر أوروبا بعد تراجع أمريكا؟
منذ بداية القرن السادس عشر إلى بداية القرن الحادى والعشرين، سيطر الغرب على تاريخ الإنسانية حيث اخترع الحداثة وقام بتصدير ــ إلى بقية العالم ــ القيم والمبادئ والمؤسسات السياسية وأنماط الإنتاج، لقد استعمرت اوروبا الكوكب إلى حد السيطرة على 70% من سكان العالم عام 1900 ثم فرضت الولايات المتحدة زعامتها خلال الحروب الكبرى وضمنت انتصار الديمقراطيات فى 1918 وفى 1945 ثم فى عام 1989... أما أعوام 2010 فقد شكلت. انفصالا تاريخيا بتعجيل انهيار تأثير العالم تحت وطأة بزوغ قوى متعددة أكثر تأثيرا....
وبعد ذلك ايقظت العولمة القوى العظمى فى الجنوب مثل الهند والصين والبرازيل وقامت بإعادة توزيع عناصر القوة بأسلوب أكثر تنوعا ولقد توسعت اليوم هذه الحركة وانفسحت من خلال تقسيم وتجزئة المبادلات والمدفوعات العالمية فى شكل اقطاب إقليمية منظمة حول العمالقة البازخين فى اسيا ــ الباسيفيك حول الصين كما يؤكد نخبة من الباحثين فى العلوم السياسية.
وبعد انهيار النظم الشمولية تناوبت على الديمقراطية تيارات أخرى تسمى Democrature تجسدت وجمعت بين رجالات أقوياء وهوس المشاعر القومية والدينية ووسائل خداع ومؤامرات الرأى والسيطرة على الاقتصاد والمجتمع والاعلام وضعت القوة كمبدأ للشرعية وأوجدت مناخا من الحرب الداخلية والخارجية ورسخت الغرب بأنه العدو الأول لها..
إن تفكك القوة يتماشى مع تكاثر العنف الذى يترجم بتضاعف الصراعات المتشابكة ودمج الحروب الاهلية والطائفية والدينية ومابين الدول الخ.. وبذلك فإن المخاطر الإستراتيجية تتغير طبيعتها بالنسبة للديمقراطيات وإنما التغير الأكثر راديكالية خاص بالغرب، فهو مرتبط بالزعامة الأمريكية.
ويرى خبراء العلوم السياسية أن دونالد ترامب يسرع فى حركة عدم التزام الولايات المتحدة من خلال التفكيك المنهجى لأدوات تأثيرها على العالم وهدم المبادئ السياسية والأخلاقية التى كانت ترتكز عليها قوة أمريكا.
إن دونالد ترامب يقوم بتصفية المؤسسات التى تشكل النظام العالمى الذى وضع عام 1945 إن عدم تبصر وعدم منطقية وشعبوية ترامب تنهى شرعية تلك المؤسسات وتحرمهم من مصداقيتهم! ويرى المراقبون إن عالم التعددية القطبية للقرن الحادى والعشرين يصاحبه إذن نهاية الغرب الذى يهدد استقراره التيارات الشعبوية التى تهدد ببلقنته من الداخل أكثر من منافسة القوى البازغة.
وهناك مربع استراتيجى غير مستقر ينبثق بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا. إن الولايات المتحدة تمتلك عناصر قوة هائلة وإنما تعتبر عقيمة بسبب فقدان الثقة فى زعامتها وقصور الرؤية الاستراتيجية على المدى الطويل! إن الصين هى الفائزة الاولى باستثمارها للمساحات المهجورة بسبب الانطواء الأمريكي، أما روسيا وتركيا فهما ينطلقان فى اوروبا والشرق الأوسط برغم هشاشتهما الاقتصادية والسياسية.
إن اصوات عديدة فى فرنسا تطالب بأن تعيد. اوروبا تحديد إستراتيجيتها فى عالم أكثر اضطرابا وخطورة وبالذات إنها لا تستطيع أن تعتمد على عودة الضمان الاقتصادى والاستراتيجى للولايات المتحدة.
لقد قدرت المستشارة «الألمانية» انجيلا ميركل الموقف جيدا عندما قالت «إن الزمن الذى كنا نعتمد نحن الاوروبيين كلية على الآخرين قد ولي. يجب أن نناضل بأنفسنا كأوروبيين من أجل مستقبلنا ومصيرنا..