بعض الكلام لا يقال.. وكثير من الألفاظ لا ننطق بها. إلا أنه قيل ونطقناه وأمتعنا ورددناه. من أجمل "تترات" أو المقدمات الغنائية لمسلسلات رمضان "لأعلي سعر" ورغم أننا لسنا من الشتامين اللعانين لكننا غنيناه "ملعون أبوالناس العزاز اللي لما احتاجنا ليهم طلعوا أندال بامتياز".
راقت لي الكلمات ولمست الوتر. وحين وضعتها علي المدعو "فيسبوك" كانت المفاجأة. كل هذا العدد من الإعجابات.. وكبار قامة وقيمة تجاوزوا وضع علامة إعجاب إلي عمل مشاركة. تلامست الأوتار الجريحة. يبدو أن في حياة أغلبنا إن لم يكن كلنا حكاية تستدعي.. الدندنة.
بمناسبة الكلمات التي نتعجب من وجودها واستساغتها.. ما جاء في قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي غناها عبدالوهاب "جبل التوباد". فمن يصدق أن بها غنما وأحجارا.. و"علي سفحك عشنا زمنا.. ورعينا غنم الأهل معا". فترسم الخرفان والماعز مشهداً رائعاً لحب أشهر حبيبين علي مر التاريخ قيس وليلي. فكانت الأغنام بينهما بداية لاستعمال الحيوان في التعبير عن المشاعر وصولاً للدبدوب العصري.
ويشهد غنم أمير الشعراء أروع لحظة حب "قد يهون العمر إلا ساعة وتهون الأرض إلا موضعاً". ومن منا لم يعش لحظة بالعمر.. كله.
عليها.. القيمة
إنها خسارة فادحة أن نفقد.. الإبداع.. التعبير.. اللغة ومعها القيم الحقيقية التي لها نحيا.. وبها. وبعد أن كنا نغني للعشق والوحشة واللهفة والحنين.. صرنا نسمع رنات محمول ودرجة امتياز "لأندال بامتياز".
وبمناسبة مسلسل لأعلي سعر.. نيللي كريم تؤدي بجدارة وتلبس الشخصية بمهارة. إنها الزوجة المجروحة.. التي غدر بها الزوج وبحجة شرعية. والشرع من الغدر برئ.. لهذا ظهرت الدعوة من داخل البرلمان بضبط الأداء في الزواج الثاني.. وأول الشروط إعلام الزوجة الأولي.. ومعاقبة الزوج المتلاعب بالأوراق والمأذون المحرر للعقد في حالة الإخفاء. ربما أنجز البرلمان شيئاً يذكر له.
ونكمل مع شاشة رمضان.. ونتوقف عند الإعلانات.. والمفترض تقنين العرض حتي لا يتحول الأمر إلي فواصل إعلانية بينها مسلسل. ويتحول المشاهد إلي اليوتيوب للمتابعة بغير إعلانات. وأسوأ الإعلانات ما يستخدم الأطفال والمرضي في الاستجداء. وأفضل عمل لأصحاب المال وراغبي الزكاة والصدقات أن يوفوا حاجة ناسهم ومن حولهم.. ادفع مصاريف مدرسة ابن بواب بيتك. عالج البائعة التي تفترش السوق الذي تشتري منه ساهم في زواج قريبك في البلد. أطعم الجائع في الشارع والحي حيث تسكن. لو فعلناها جميعاً.. لن يحتاج أحد.
ثم.. أمك
عودة للإعلانات.. ومنها ما يهدم قيماً وينشر أفكاراً سلبية مثل إعلان محمد هنيدي.. وقد وجدت الأطفال تغني "أنا واد خلاصة لاصة وميه ميه". وهم يغنون لرجل رفض الوقوف في الطابور واعتبر الالتزام بالدور مجرد "حوارات". فاخترق الصف. ثم سرق الكنافة ولم يدفع ثمنها. والأهم أن أمه استنجدت به.. "تعال يا ابني.. تعال عندي. دول كلوا أكلي تعال جنبي".. وحين يحضر يخبط يد خالته ليجهز طعامه هو "شيلي ايدك يا شلبية مش أنا اللي تروح عليه".
معاني سخيفة.. ولا تبشر بخير في جيل جديد صغير يتبعها بالغناء ويشربها تصرفات.
الإعلانات وسيلة خطيرة للتأثير.. فهي دقائق معدودة مكررة.. موجهة ولابد أن تخضع للرقابة المشددة. فلا تمر من بين المشاهد أفكار هدامة. والمسألة أكبر من استخدام المرأة كسلعة. أو حتي غش المنتج. إنه نشر القبح وصولاً للاعتياد.. ومن التعود إلي الرضا عن الخطأ.
وبصراحة لولا اضطراري للمتابعة. لأظلمت الشاشة ففي لمة الأسرة وتجمع الأبناء وضحكات الأحفاد.. مشاهد أروع من أي تمثيل. وفي قاهرة المعز وشوارعها وزيناتها.. وعلي وجوه أهلها وناسها.. أحلي مشهد تقع عليه عينك في.. رمضان.