المساء
خيرية البشلاوى
العصر الفالصو للفيلم المصري
شاهد أفلامنا وأنت تعرف مستوي تفكيرنا وذوقنا ونوع الثقافة اللي بتستهوينا ونوع "المصنع" الذي ينتج هذه البضاعة.. ولو فكرت تعرف أكثر أين تقف السينما المصرية الآن علي خريطة السينما في العالم فعليك أن تلقي نظرة علي الأفلام المشاركة في مهرجان كان السينمائي الدولي الذي تنتهي فعالياته اليوم.
المفارقة أن المصريين الذين حضروا المهرجان وكتبوا ويكتبون عنه أكبر بكثير جداً من حيث العدد من الأفلام التي تنتج عندنا سنوياً والسؤال الذي يدور في ذهني. هل للسينما المصرية حضور في عملية التنمية باعتبارها أحد منتجات التفكير. تعبر عن شكل العلاقات الإنسانية داخل المجتمع. وتروج لأنواع الترفيه التي تجد قبولا عند عامة الناس. وتكشف عن اللغة المتداولة بين الجماهير ومن ثم نوع التفكير وتعكس من خلال الصورة مستوي الذوق عبر عناصر الملابس والديكور والبيئة المرئية المختارة مكانا للأحداث. ومن خلال هذا يمكنك قياس حجم الإسهام الذي تقدمه هذه الصناعة الوطنية في دفع التنمية عبر تصنيع الوعي والذوق والحس الفني.
فالفن السينمائي فاعلِ ومؤثر وكاشف أيضا عن إمكانيات الابتكار والتقدم. فالأفلام التي تشارك في المهرجانات الدولية تنقل الصورة التي عليها الشعوب المنتمية لهذا الفن ومن خلال متابعتها بغرض متعة المعرفة يمكننا الوقوف علي حجم التقدم في مستوي الاهتمامات ونوع المشكلات وصور البشر وتفاعلهم مع ما يدور في العالم من تطور تكنولوجي وعلمي وكذلك الطفرات التي تحققت علي المستويين الاجتماعي والسياسي..
في أفلامنا المصرية ستجد تراجعا وليس تقدماً حتي في مستويات الغناء والرقص والجنس هذه العناصر الرئيسية التي تعتمد عليها الصناعة في تحقيق هدف الترفيه.. وستجد أن أمل التنمية لايمكن أن يتحقق مع اختزال الإنسان الفاعل إلي مخلوق غارق في ملذاته البدائية. ومشوه لغويا. وسلوكيا ومهموم كلية باحتياجاته الحسية الغريزية دون أي مسئولية مجتمعية.
العصر الذهبي للفيلم المصري باجماع الدارسين شهدته مراحل الأربعينيات والخمسينيات والستينيات. والعصر الفالصو هو بالتأكيد العصر الذي عرف سينما المقاولات والانفتاح المشوه والتراجع المتسارع في مستويات التعليم والإعلام والدعوة الدينية. حتي وصلت صورة المدرس والمدرسة إلي ما هي عليه الآن. ومنظومة الإعلام باتت بهذا التدني في مستويات الخطاب وأنواع التفاعل مع المشاهد. وكذلك الأشكال المرعبة لصور "الدعاة" ونوع الثقافة الدينية التي يبثونها.
هل في هذا المناخ المتجذر من الفساد الفني والتراجع الواضح في مستوي صناعة الأعمال الدرامية ومنها الفيلم السينمائي والدراما التليفزيونية هل يمكن تحقيق تطور ملموس يراعي قيمه ودور هذه الفنون في دفع التنمية وإعلاء قيمة التفكير العقلاني. واختيار موضوعات تعكس ظروف مجتمع يجاهد للخروج من كبوات انتشار الإدمان وسط الشباب وتفشي قيم الفهلوة والفساد الأخلاقي فضلا عن التشوعات الدينية الناجمة عن تكريس الموروثات الخاطئة في هذا المجال. ثم الإرهاب المروع الذي أعلن الحرب علي المجتمع بعد أن استباح تكفير أفراده وحكامه.
لقد وصل الفيلم السينمائي في الحقب الأخيرة إلي مستوي من التخلف الفني والفكري والحضاري والترفيهي .
صحيح أن الفيلم كظاهرة اجتماعية. ثقافية فنية وفكرية انعكاس لما أصاب المجتمع. ولكنه أيضا وسيلة مؤثرة تسهم في دق ناقوس الخطر. وكسلاح في معارك المواجهة مع الأخطار المحدقة بهذا المجتمع نفسه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف