مؤمن الهباء
تراجع أمام الأغنياء وتعنت أمام الفقراء!!
ليس من الصعب تصور حجم الضغوط الهائلة والألاعيب التي مارسها رجال الأعمال والمستثمرون علي الحكومة لإثنائها عن تطبيق الضريبة المقررة علي أرباح البورصة.. وليس من الصعب تصور حجم الحرج الهائل الذي وضعت فيه الحكومة نفسها حين تراجعت أمام هذه الضغوط والألاعيب وقررت تأجيل تطبيق الضريبة لمدة عامين.. وهو قرار تمهيدي في الغالب انتظاراً حتي يأتي الوقت المناسب لإلغاء الضريبة تماماً أو ينساها الناس وتصبح في خبر كان.
لقد انهزمت الحكومة بتراجعها أمام لوبي أصحاب المصالح في معركة ضريبة البورصة.. وهي تعلم ـ وكلنا يعلم ـ أن هذه الضريبة مطبقة في دول عديدة أكثر تقدماً منا مثل بريطانيا وفرنسا.. لكنها استجابة لترهيب أصحاب المصالح الذين أقنعوها عبر كل الضغوط وكل الحيل بأن الضريبة سوف تؤدي إلي هروب المستثمرين الأجانب من السوق وانهيار البورصة رغم أن السوق تعاني منذ أحداث الأزمة المالية العالمية ومن بعدها أحداث ثورة يناير 2011 التي ساهمت في تفاقم أوضاع البورصة.
وللحق فإن وزير المالية هاني قدري دميان هو الذي ظل صامداً وساكتاً أمام مقاومة رجال الأعمال الشرسة ضد ضريبة البورصة باعتبار أنه مهندس هذه الضريبة ولإدراكه بأن تراجع الحكومة في التطبيق بعد وقت قصير من إقرارها سوف يهز الثقة في الحكومة وفي كيفية صناعة وصياغة القرارات والسياسات ثم التراجع عنها.
وقد طرحت الأزمة علامات استفهام حول تعدد التعديلات الضريبية علي القوانين والتشريعات في آجال زمنية متقاربة مما شوهها وفرغها من مضمونها.. وهو ما يسيء إلي سمعة مصر دولياً من حيث عدم استقرار السياسات الضريبية.. خاصة أن المستثمرين الأجانب ينظرون قبل ضخ أموالهم في السوق المحلية إلي المعاملة الضريبية أولاً.
وأضيف إلي ذلك علامة استفهام مهمة تتعلق بالازدواجية المكشوفة التي تمارسها الحكومة.. فهي تتراجع بسهولة ويسرعن بعض القوانين والقرارات التي تواجه باعتراضات من الأغنياء.. في حين تتعنت في تطبيق القوانين والقرارات الخاصة بالفقراء بكل حزم مهما واجهت من انتقادات ومهما سمعت من أنات وتوسلات.
وقد سبق أن تراجعت الحكومة عن تطبيق "ضريبة الأغنياء" التي اقترحها وزير المالية نفسه هاني قدري دميان علي أصحاب الدخول المرتفعة.. وكان قد أعلن في مارس 2014 أن هذه الضريبة ستطبق فور إقرارها علي الأفراد والشركات التي يزيد دخلها علي مليون جنيه بنسبة 5% لمدة 3 سنوات فقط.. ثم لاذت الحكومة بالصمت وأسدلت علي الضريبة المقترحة ستائر النسيان ولم يعد أحد يأتي علي ذكرها علي الإطلاق.
ليس هذا فحسب.. لكننا في الواقع لم نر للحكومة إجراء قوياً يحقق منظومة العدالة الاجتماعية التي تتحدث عنها كثيراً.. وقد رأينا كيف يتم استثناء الفئات المقتدرة تدريجياً من تطبيق قانون الحد الأقصي للأجور واحدة تلو الأخري حتي تم تفريغ القانون من مضمونه.
علي الجانب الآخر.. هناك إصرار لا يكل ولا يمل علي تطبيق القرارات الخاصة برفع الدعم تدريجياً وصولاً إلي الإلغاء النهائي في غضون خمس سنوات طبقاً للسياسة التي وضعتها الحكومة ولم تتراجع عنها قيد أنملة رغم التوسلات والانتقادات التي صاحبت زيادة أسعار الكهرباء والمياه والبنزين والغاز.. وهي الزيادة التي أشعلت أسعار السلع بصفة عامة والسلع الغذائية بصفة خاصة.
ونحن الآن مقدمون علي موجة جديدة من زيادة أسعار الكهرباء.. وهناك توقعات بارتفاع قيمة الفواتير 200% في حين لن تزيد العلاوة المقررة علي 5%.. ورغم الشكاوي والالتماسات لن ترحمنا الحكومة.. لأننا لسنا مستثمرين ولا رجال أعمال.