ولد النبى صلى الله عليه وسلم فى عام الفيل، وهو العام الذى شهد تلك الواقعة التاريخية التى زحف فيها أبرهة الحبشى بجيش ضخم تتصدره الفيلة لهدم البيت الحرام، بعد أن عزف الناس عن الحج إلى الكنيسة التى بناها فى اليمن وأطلق عليها «القليس». لم يفهم أبرهة الرباط الروحى القوى الذى يربط من اعتاد الحج إلى البيت الحرام بالمكان، واستلهامه لسيرة نبى الله إبراهيم وولده إسماعيل، ولم يستوعب ارتباط البيت بموقع مكة الفريد كمحطة تجارية مهمة، اعتادت القوافل الرسو فيها، وقد كانت التجارة فى ذلك الحين هى المصدر الرئيسى للنشاط الاقتصادى بالجزيرة العربية.
وصل خبر زحف أبرهة بجيشه المخيف إلى أهل مكة فأصيبوا بالذعر والهلع وزلزلوا زلزالاً شديداً، وكانوا كلما وصلهم خبر عن قرب وصول جيش الهلاك ازدادوا رعباً، واحد فقط كان يشعر بالاطمئنان وتمتع بقدر واضح من الثبات الانفعالى إزاء ما يحدث، إنه عبدالمطلب جد النبى صلى الله عليه وسلم، حدث وأن استولى جنود أبرهة على مجموعة من الإبل التى يمتلكها عبدالمطلب، فلم يتردد الرجل فى طرق باب أبرهة لاسترداد حقه، عندما علم أبرهة أن عبدالمطلب يطلب مقابلته رحب به، وكان يظن أنه جاء ليحدثه فى أمر البيت الذى عزم الحبشى على هدمه، لكنه فوجئ به وهو يطالبه برد الإبل التى استولى عليها جنوده، فما كان من أبرهة إلا أن قال له: لقد عظمتك وهبتك حين رأيتك، وقد ظننت أنك جئت لتحدثنى فى أمر البيت الذى تعظمونه وتوقرونه وجئت لأهدمه، فإذا بك تحدثنى فى شأن الإبل التى أصابها جنودى، تبغى استردادها، هنالك رد عليه عبدالمطلب بمقالته الشهيرة: أنا رب (أى صاحب) الإبل.. أما البيت فله رب يحميه.
إنه الإيمان، الإيمان الذى يطمئن صاحبه ويثبته فى وجه أعتى التحديات، الإيمان القادر على صنع المعجزات، المؤمن يعلم أن أهل الأرض جميعاً لو اجتمعوا على أمر فلن يصيبوا منه شيئاً، إلا أن يشاء الله، إنه الإيمان الذى لا يتزعزع بأن هناك رباً قادراً ما بين غمضة عين وانتباهتها أن يغير من حال إلى حال، عندما يتيقن الإنسان أن الله موجود وأنه يدافع عن محارمه فإن الاطمئنان يغلف روحه، الفارق بين أبرهة وعبدالمطلب هو الفارق بين من يظن نفسه إلهاً قادراً على هدم هذا وردم ذاك، وقتل هذا وإطلاق ذاك، وبين بشر يؤمن بضعفه ويستمد قوته من الإله الأعلى ذى القوة المتين، استرد عبدالمطلب إبله، ومكث ينتظر برهان ربه، وجاء البرهان فى صورة طير ضعيف يحمل فى مناقيره وبين أرجله عقاب السماء على التجرؤ على محارمها.
أرسل الله تعالى على جنود أبرهة طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من جهنم فأكلت لحومهم ونخرت عظامهم، وأثبتت لأبرهة أنه لا شىء، حُمل القائد المهزوم على محفة إلى الحبشة وهناك كان ابنه «يكسوم» الذى قرر إحالته إلى التقاعد، ليحكم اليمن ويؤدى كطاغية جاء من رحم طاغية!