د . أحمد عاطف
هل هناك تجارة أعضاء فى الصين؟
يعد الفيلم الصينى -العبور للمستقبل- من أجمل وأهم الأفلام التى عرضها مهرجان «كان» السينمائى الدولى أخيرا. والفيلم أخرجه لى روى جون الذى يعد من أهم المواهب فى السينما الصينية الآن ومن أكثر المعبرين عن الواقع الاجتماعى الآن. يحكى الفيلم عن عائلة مكافحة هناك من العائلات التى هاجرت من الريف للمدينة بعد 20 عاما من العمل فى مدينة شن زن الكبرى: إحدى المدن المتقدمة جنوب الصين. بعد فقدان الأب والام عملهما يعودان الى موطنهما الاصلى فى مقاطعة جانزو الريفية فيجدان ان قانون الاراضى الجديد هناك رد الارض لحفيد اسرة كانت تمتلكها قبلهما. أقصى ما عرضه عليهم المالك الجديد للارض أن تعمل الاسرة لديه كجامعى ذرة. لكنهم يفاجأون بان هذا العمل اكثر مشقة و دخله اقل، و لا امل ان يتغير الحال الا للأسوأ. ناهيك عن الظروف الصحية الصعبة للوالدان، وصعوبة بذلهما الجهد الكبير المطلوب منهما. تعود ابنتهما ياوتنج للعمل فى مدينة شن زن كعاملة فى مصنع تجميع لوحات تشغيل كمبيوتر.
تبدو الابنة اقرب فى عملها للإنسان الآلى لا يشغل وقتها بعد العمل سوى الدردشة على مواقع التواصل خاصة مع شاب لم تره. تسكن فى غرفة مشتركة مع زميلتين بالمصنع احداهما مدللة تقودها للتعرف على شاب يدعى «زن من» يبدو لاهيا وعابثا فى البداية ، حتى تتضح الحقيقة وهى ان هذا الشاب يعمل سمسارا لاحدى الشركات التى تجرى تجارب طبية على البشر. ولان الأحوال بالمصنع ليست على ما يرام ويتم منحهم كعمال أجازة اجبارية. تقرر « لى» زميلتها فى الغرفة قبول عرض « زن من» و الذهاب لاجراء التجارب الطبية خاصة انها مندفعة تبحث عن السعادة و المال بأى ثمن.
يقدم الغيلم زيارة الفتاة لاحد مواقع شركات العقارية ومطاردات مسئولى التسويق بالشركة لها لشراء الشقة وقبول المبلغ المتاح معها لتوريطها فى الشراء.
تتضح الحقيقة بعد وقت قليل وهى ان التجارب الطبية التى يقود زن الشباب اليها، تقودهم بعد وقت قليل الى تدهور صحتهم بشكل دراماتيكى، ويعرفون ذلك بعد وفاة الفتاة المدللة «لى» . وفى احد اهم مشاهد الفيلم يمنح مندوبو شركة التجارب الطبية مكافأة لوالد لى ويعتذرون له عما حدث، وعندما يقول لهم ان الفتاة لا تشبه ابنته يردون بأنه ربما السبب هو عدد عمليات التجميل التى أجرتها الفتاة وهى كانت مدمنة بالفعل لتلك العمليات. لكن الحقيقة التى يظهرها الفيلم انه تمت سرقة اعضاء الفتاة وهى تجرى التجارب الطبية. يقع زن من فى حب ياوتنج ويعترف لها بأنه الشاب الذى تراسله باسمه المستعار على مواقع التواصل. ويعترف لها بحبه عندما تصر على اجراء تجربة طبية جديدة رغم موت صديقتها الاقرب ورغم عدم مرور فترة زمنية كافية على التجارب التى اجرتها. يقوم زن من بطردها بعنف من المستشفى لكى لا تموت. لكنه ربما فعل ذلك بعد فوات الاوان اذ تصاب الفتاة ياوتنج بفشل كلوى، ويسقط الشاب فى يده ويشعر بالذنب خاصة انه يحبها فيقرر علاجها على حسابه. يذهب بها للمستشفى ويعرضها على أكبر الأطباء فيقولون لها انه لا علاج للفتاة الا البحث عن متبرع بفص كلوى خاصة انها سبق وان تبرعت بجزء من كبدها لوالدها. يتحول زن الى قمة الرومانسية وهو يخفف عن الفتاة ويأخذها للتجول بالموتوسيكل والذهاب بها لمحل الأكل بالشارع الذى تحبه لتأكل الكبدة طعامها المفضل. وينتهى الفيلم بالكاميرا تطير لتتجول بعيدا عن المدينة وكانها روح الفتاة التى تتمنى البعد عن كل الألم والشقاء. ربما لا يوافق الفيلم الذوق الاوروبى فى السينما الفنية التى تحب الاقتصاد فى التعبير والايحاء أكثر من التصريح والحوار القليل وكل الخصائص الخاصة بالمدرسة المينيمالية. لكن فيلمنا الجميل ملىء بالثرثرة وكاشف للنوايا الدرامية وسرده مشبع بل ويكرر بعض المعانى الدرامية كذلك. وهو فيلم دافئ بكل المقاييس يقدم علاقات الآباء بالابناء وحب الشباب فى صورته الطاهرة البريئة، لكن يقدم ايضا ظروف العمل الصعبة وسيطرة التكنولوجيا. وهو صورة صادمة لكن واقعية عن الحياة فى الصين اليوم نحن احوج لفهمها.