جلال دويدار
خواطر- تيران وصنافير.. والبلبلة
علي ضوء المبادئ الراسخة التي تلتزم بها مصر كدولة مبادئ وقيم تحترم القوانين والاتفاقات والمواثيق الدولية فانه يتعين عليها الحفاظ علي حقوقها وحقوق الغير علي السواء. علي هذا الأساس فانه يتحتم النظر الي قضية تيران وصنافير من هذا المنظور الذي لا يمكن أن ينفصل عن المسئولية الوطنية أو الدولية. لا يجب بأي حال السماح باعطاء الفرصة لان تتحول قضية بهذه الأهمية الي مزايدات بين اطراف لكل منها اراؤها وتوجهاتها ومواقفها ومصالحها بما يمكن ان يترتب عليه الاخلال بأمن واستقرار الدولة.
ان ما نحتاجه كغالبية نقدس السيادة الوطنية والحقوق والواجبات ان نقتنع وفقا للمستندات والبراهين الواضحة والثابتة والموثقة بحقيقة تبعية الجزيرتين بما يتوافق ورسوخ هذه المبادئ سواء بالنسبة لنا أو غيرنا.. في هذا الشأن لابد أن نعترف بفشل الدولة في تعاملها مع الملف وفقدانها القدرة علي الاقناع وهو ما أدي الي البلبلة السائدة علي الساحة علنا وخفية.
لا يخفي علي أحد أن عملية التسريع والهرولة من جانب مجلس النواب في اقرار الاتفاقية كان وراء الشكوك والريبة والغيوم التي احاطت بقرار تبعية تيران وصنافير للشقيقة المملكةالعربية السعودية - لا جدال بل من المؤكد ان الموضوع ورغم أهميته القصوي لارتباطه بالسيادة علي الأرض سواء كان هذا الأمر صحيحا أو غير صحيح.. كان يتطلب المزيد من البحث والنقاش بما يؤدي الي احتواء الخلافات والقاء الضوء علي الحقيقة مما يتيح الوقت للاقناع بما يتم التوصل اليه.
انطلاقا من المتابعة للتطورات التي أحاطت بنظر مجلس النواب لمضمون الملف فإن ما أدي الي اثارة الجدل والخلاف وسمح باستغلال أطراف بعينها.. هو السرعة التي تم بها تمرير الموافقة، كان لابد من ادراك أن واقع السنوات الطويلةالتي ظلت فيها القضية ساكنة ومستقرة.. قد اعطي احساسا بسيادة وقانونية الوجود المصري علي الجزيرتين. لم يكن هناك ما يمنع من أن يكون هناك وقت كاف للبحث والدراسة والنقاش للخلاص من أي عمليات شحن بعدم اليقين.
الفكر العقلاني والايمان بقوة ومتانة العلاقات والروابط والفهم المشترك والتقدير السليم للمصالح الوطنية.. مع الشقيقة السعودية كانت تشير الي انه كانت هناك امكانية للتريث في اتخاذ القرار النهائي لصالح ترسيخ امن واستقرار الدولة المصرية الذي يعتبر أمنا قوميا لكل الدول العربية.
ما تضمنته التصريحات الصادرة عن نائب رئيس هيئة البترول الصحفية المعلنة تضيف بعداً جديداً إلي القضية. أكد عدم توافر اي مؤشرات عن وجود ثروات غازية او بترولية في المناطق التي تضمنتها اتفاقية ترسيم الحدود في البحر الأحمر باستثناء منطقةحلايب وشلاتين التي تضع مصر يدها عليها بحكم السيادة والحقوق المؤكدة.
لا توصيف لسرعة اقرار مجلس النواب لاتفاقية ترسيم الحدود والتي تم اختزالها في مصير جزيرتي تيران وصنافير سوي بأنه اجراء يدخل في اطار سوء التقدير وعدم التقييم السليم للموقف توقيتا ومراعاة للأوضاع الداخلية. لا يخفي أن هذا التسرع كان لصالح القوي التي يتركز نشاطها علي اثارة البلبلة واشاعة اجواء من عدم الاستقرار.
لم يعد غائبا أن تصويت مجلس النواب وبهذه الصورة قد انتقص الكثير من مكانته الشعبية واثار الشكوك حول سلامة اضطلاعه بالمسئولية الملقاة علي عاتقه. بالطبع فإنه لا يمكن تحميل النواب الذين وافقوا علي اتفاقية انهاء للوجود المصري علي جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية.. للتبعات والنتائج.. وانما المسئولية يتحملها الذين دفعوهم الي اتخاذ هذا الموقف دون اعطاء الفرصة لاقناع الرأي العام بما هو حق وسليم ومقبول. من ناحية أخري يتحتم الإشارة إلي أن أسلوب رئيس المجلس لم يكن موفقا عندما تعمد الحط من أحكام القضاء بوصفه حكم الادارية العليا بأنه والعدم سواء. كان عليه وهو رجل قانون مراعاة أننا وبعد ثورة٣٠ يونيو رسخنا في الأذهان أننا دولة قانون.
لا جدال انه وبعد أن يصدر القرار الجمهوري المنتظر بشأن اقرار الاتفاقية والذي بدونه لا يتم تفعيلها فانه يصبح أمام الدولة عمل صعب لمواجهة الحملات المضادة لتمرير الاتفاقية. انها تحتاج الي تنظيم الأوراق والتحرك والاعتماد علي كل السبل التي محورها المستندات الموثقة من أجل اقناع الرأي العام بأنها لم تتنازل عن حبة رمل من أرض مصر. في نفس الوقت فان هذا التحرك لابد وان يشمل توضيح تأثير ما يتضمنه ارتباط التنازل عن تيران وصنافير من تهديد ومسئوليات تجاه الصالح القومي بمفهومه الأمني والاقتصادي حاليا ومستقبلا.