الأهرام
محمد صابرين
«الأيام الرمادية» بالخليج «اللعبة» لم تنته بعد!
«يا أخواننا فى قطر، نقول لكم ناصحين، انتهوا فقد انتهت اللعب».. هذه نصيحة عبدالرحمن الراشد فى الشرق الأوسط. ولم يكن الكاتب السعودى وحده الذى ذهب فى هذا الاتجاه، بل أحسب أن جميع العقلاء فى المنطقة يتمنون أن تنتهى اللعبة. إلا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد أن نسب الفضل لنفسه فى التحركات الأخيرة للضغط على قطر من قبل السعودية ومصر والامارات والبحرين، فإن الرجل يقول «ربما تكون هذه بداية النهاية لرعب الإرهاب»!. والمشهد المتأزم الحالى يكشف عن «مزيد من الأيام الرمادية» فى الخليج، ولم ولن تتوقف «أزمات» و «حروب الخليج» ـ منذ حرب الخليج الأولى ؟!، وأغلب الظن أن الأيام «حبلى» بأزمات. بل المدهش حقا أن وزير خارجية ألمانيا قال «إن الأزمة تهدد بنشوب حرب»؟، ولم يوضح الرجل. إلا أن التجارب علمتنا أن كل شيء جائز بل ومحتمل بقوة، فإذا لم تكن مباشرة ما بين القوى المتصارعة.. فهناك دوما مجال «لحروب بالوكالة». والآن نحن نشهد تسخينا وعمليات إرهابية فى داخل إيران لأول مرة منذ عقود، والمسألة الأخرى تتعلق بعملية «فرز المواقف»، والشيء اللافت هو أن الرهان على تركيا لم يثبت فعاليته. فقد راهن البعض فى الخليج على أن تتغلب «البراجماتية السياسية»، و«المصالح الاقتصادية» على «الايديولوجية الأردوغانية» وأوهام «العثمانية الجديدة». إلا أن أردوغان أثبت بامتياز أن أوهامه أقوى من كل الدعاوى المنطقية. ومن هنا ذهب إلى آخر المدي.. بإرسال جنود أتراك إلى قطر ووصف خطوات المقاطعة بأنها «لا إنسانية.. وغير إسلامية» وبمثابة حكم بالإعدام، وقال محذرا «هذه الأزمة يجب أن تنتهى قبل نهاية شهر رمضان». وهنا السؤال الملح: هل يقودنا هذا إلى الشعور بأن «اللعبة انتهت»؟، وأخشى أن أقول إن اللعبة لا يراد لها أن تتوقف، وأننا فى لحظة بداية شوط جديد لهذه اللعبة الخطيرة التى تدور أحداثها الآن فى منطقة الخليج؟!. نحن لم نغادر المكان منذ «بداية الأحداث» مع شحن «المجاهدين العرب» إلى بيشاور، ومنها إلى أفغانستان لقتال السوفيت. ولحظتها وعلى يد المجاهد الأمريكى الأكبر بريجنيسكى مستشار الأمن القومى ولد هؤلاء المجاهدون الذين تحولوا إلى القاعدة وداعش وبوكوحرام وجبهة النصرة ولافتات كثيرة بأسماء عدة لدرجة أتعبت العامة والخاصة على حد سواء. ومن المفارقة أن هؤلاء جميعا خرجوا من رحم «الإخوان المسلمين» الذين هم صناعة بريطانيا، ومازالوا على العهد والوعد مع أجهزة المخابرات الغربية وبالأخص أم. أي. 6 البريطانية والسى. أى. أيه الأمريكية. وفى أغلب المرات لم تتوقف هذه المنظمات عن «ممارسة الإرهاب»، ولم تتوقف أجهزة المخابرات الغربية عن استخدام هذه «البنادق المستعدة دوما للايجار»، والأخطر أن ذلك كله يجرى تحت «لافتات مزيفة للدين»!. فترى هل سيتوقف كل ذلك فجأة؟!.ـ يقول الراشد إن قطر بدأت اللعبة بمراقصة الجماعات الارهابية منذ منتصف التسعينيات، وفى البداية أشرطة فيديو ودعاية للقاعدة فى أفغانستان، وتمددت إلى مناطق الثورات بتمويل الجماعات المسلحة بما فيها جبهة النصرة وأحرار الشام، إلا أن «هذه هى نهاية الطريق حيث أصبحت الحرب على الارهاب هى القضية الأولى فى العالم، وسيلاحق المجتمع الدولى كل بلد يدعم هذه الجماعات بأى شكل من الأشكال. وهنا فأن المرء يتمنى أن يكون المجتمع الدولى وخاصة الدول الفاعلة ـ صادقا، ومبعث الشك عدة أمور: أولا: لم يتفق المجتمع الدولى على تعريف محدد للإرهاب. ثانيا: لم تتحرك القوى الفاعلة لوضع «قائمة واضحة» بالمنظمات والأشخاص الإرهابيين، وذلك بصورة شاملة متفق عليها من الجميع. ثالثا: لم يتم حتى الآن إلزام شركات التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك وتويتر.. وغيرهم ـ بإيجاد آلية لإزالة كل المواد المحرضة على الارهاب، ولا التعليمات بشن أعمال إرهابية. رابعا: لم يتم حتى الآن وقف أو تجفيف منابع تمويل الإرهاب. خامسا: لم تتوقف الدول الغربية وتركيا عن توفير منصات دعائية للمنظمات الارهابية بدعوى حرية التعبير، وذلك بالرغم من تحريضها على القتل وخراب الدول. سادسا: لم تتوقف دول مثل بريطانيا وألمانيا وماليزيا وتركيا وقطر وجنوب إفريقيا عن توفير الملاذات الآمنة لرموز وقادة الجماعات الارهابية والمتطرفة. سابعا: لم تفعل بريطانيا أى شىء بالنسبة لجماعة الاخوان المسلمين بعد «المراجعات الشهيرة» لحكومة كاميرون. وبقى الموقف على ما هو عليه!. ثامنا: بعد كل الضجيج بشأن تحركات أمريكية للإدارة الجديدة لإصدار قانون يحظر جماعة الاخوان، ويصنفها كجماعة ارهابية لم يحدث أى شيء، بل سمعنا أن أنصار «المدرسة الواقعية» فى السياسة الأمريكية حذروا من انعكاسات سلبية داخل أمريكا، وأثمان باهظة لمصالح أمريكا فى دول أخرى حليفة توجد بها عناصر أو أحزاب تنتمى إلى الإخوان المسلمين. إذن باختصار نحن أمام «كمية هائلة من الكلام»، وقطرات محدودة من الفعل من اجل معالجة جوهر القضية. وأمام التناقض الصارخ ما بين الأقوال والأفعال لا يملك المرء نفسه من السؤال البديهى: ترى من قال اللعبة قد فقدت وظيفتها أو أن من يمسكون بالخيوط قد سئموا من اللعب؟!

وهنا بالتحديد نحن أمام إعادة تغير فى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، ومحاولة إسرائيلية ـ كالعادة ـ للاستفادة من اللحظة الراهنة. ويبقى أن جميع الحقائق والوقائع تشير إلى أن قطر كانت تنفذ أجندة أمريكية وأن التوجهات الأمريكية ربما اختلفت، أو تحاول تجربة أساليب جديدة فبدلا من التجاوب مع ايران فإن واشنطن تجرب الآن «احتواء طهران»، وذلك بالرغم من أن الأمور والاتصالات جارية بقوة مع واشنطن. كما أن دفع الأمور لمرحلة الصدام العنيف مابين معسكرى الرياض وطهران ليس بالضرورة »وضعا لايطاق« لواشنطن، فقد جربت التعايش مع حرب الخليج الأولى ما بين بغداد صدام وطهران الخميني. ولكن لابد من التمعن بقوة أمام مشاهد حروب الخليج الأولى والثانية، والخداع لصدام، والآن قطر تدفع ثمن «وعود مزيفة» لأدوار جعلت منها «مطلوبا للعدالة الدولية» ومنبوذة بحق من قبل الجيران، كما أن المجاهدين الذين أصبحوا إرهابيين لم تمنحهم واشنطن الحكم ـ ولم تستمع لرفض الشعوب لهؤلاء ـ فضلا عن أن الحكومات التى تعاونت فوجئت بأنها تدفع ثمنا «للعائدين من أفغانستان والعراق وسوريا وألبانيا والبلقان.. إلخ»، ودفع السودان انفصالات لاتنتهى سواء من الجنوب أو الآن دارفور، وذلك بالرغم من تطبيقه «للوصفة الأوبامية الأمريكية»، ودفع العراق ولايزال، وسوريا تدفع يوميا ثمنا لايطيقه بشر! والآن علينا أن نتوقف ونتأمل، ونقرر أننا لن ندفع لأن نكون «وقودا» أو «ساحة للعبة خطيرة وقذرة» سواء بالاغواء أو بالتهديد. لأن الطرق كلها تقول إننا نحن فقط «الخاسرون» فى اللعبة. وأرجو أن تتوقف قطر وأخواتها عن أوهام الربح فى مثل هذه ألعاب مهما «زاد المقامرون» من أموالهم فى اللعبة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف