احكي يا شهر زاد.. لاننا أمة العرب لا تجيد الا الكلام.. لا تستمتع إلا بنهش الأعراض.. لا تنصت الا إذا كان مسرور السياف واقفاً علي الباب.. احكي يا شهر زاد فأنت المخدر الذي يجعل العرب ينسون مواجعهم ويغيب العقل ولا يستيقظون إلا بعد ان تنتهي الحكاية... كل الحكاية.
شهريار قائد عربي يظهر في كل العصور.. يشعر انه ظل الله في الأرض.. يحمل مفاتيح الجنة والنار.. يملك حق الإعدام ويمتلك صك العفو والمغفرة.. ربما كان ضميره يؤرقه ويمنعه من النوم فيستدعي شهر زاد لتروي له القصص.. وعلي الباب يقف مسرور السياف.. شهريار وحده صاحب القرار.. أما ان تعيش شهر زاد لتروي حكاية جديدة.. أو يأتي دور مسرور السياف لتنتهي القصة.. لكن القصة لا تنتهي لان أمة العرب لا تجيد إلا الكلام.
مسرور السياف ليس شخصاً دمويا.. انه مجرد موظف مغلوب علي أمره.. كل وظيفته في الحياة ان يقف علي باب الوالي وينتظر أومره.. اما ان يغمد سيفه ويمر علي الحاتي في طريق العودة إلي المنزل حاملاً الطعام لأطفاله الصغار.. واما أن يغمس سيفه في الدم ارضاء للوالي وتنفيذاً للمهمة الوحيدة التي يجيدها طاعة أولي الأمر.
شهرزاد العصر الحديث لا تجد صعوبة في تأليف القصص لان مواقع التواصل الاجتماعي تطفح كل يوم بآلاف الفضائح.. أصبحت وكراً للثعابين ومركزاً للبوم ونقطة انطلاق لمصاصي الدماء.. ترضي شهوة العرب في الكلام.. وتوفر رصيداً ضخماً من الروايات لنستمع من جديد إلي شهرزاد.
قصة داحس والغبراء مرسومة في كل صفحات التاريخ العربي.. كل ليلة تحكي شهرزاد قصة داحس والغبراء باستمتاع شديد وكأنها تحكيها للمرة الأولي.. كل ليلة يستمع شهريار إلي قصة داحس والغبراء بنهم بالغ وكأنه يسمعها للمرة الأولي.. كل ليلة ينتظر مسرور السياف ان تنتهي الحكاية.. لكن الحكاية لا تنتهي لان أمة العرب لا تجيد إلا الكلام.
أما مصر فتبقي لها خصوصيتها.. لم ولن تكون يوماً طرفاً في داحس والغبراء.. حتي عندما نفد صبر الرئيس الراحل أنور السادات من حماقات معمر القذافي لم تستمر "قرصة الودن" أكثر من عدة ساعات.. لم تؤد إلي احتلال.. لم تسفر عن غنائم.. لم يكن هناك سبايا.. كانت درساً للصغار كيف يتعاملون مع الكبار.. لذلك أقول للصغار مهما تضخمت ثرواتكم وتكدست خزائنكم.. الزموا حدودكم عندما تتحدثون مع مصر.. لا تحلموا بأنكم شهريار.. لن ينقذكم مسرور السياف.. لن تخدعنا حكايات شهر زاد.