الأهرام
ليلى تكلا
مصر التى لا نعرفها
تناولنا فى المقال السابق مسئولية المناهج الدراسية فى غرس المواطنة والانتماء والعطاء وحب الوطن مؤكدين ان من يعرف مصر، تاريخها وحاضرها ما قدمت للعالم ومازالت تقدمه لن يسىء إليها أو إلى شعبها وكرامتها. لاقى ذلك المقال اهتمام وتأييد عدد كبير من الزملاء والقراء والأصدقاء مما أكد اقتناعى بأن حب مصر جزء أصيل من الشخصية المصرية مهما كانت الظروف والصعاب والتحديات، وأن المناهج والتدريبات عليها مسئولية دعم الارتباط بالوطن. والتعريف ببعض انجازات اجدادنا سواء فى الطب والمعمار والهندسة والعلوم والثقافة والفنون، فى السياسة ونظم الحكم والقضاء والعدالة فى الزراعة والتجارة وحقوق الإنسان والأديان ومكانة المرأة والأسرة وفى تخطيط المدن وغير ذلك. مصر علمت العالم: طاليس أبو الفلسفة اليونانية تتلمذ على أيدى المصريين وعاد لبلدته أيونيا فى اليونان يعلمهم ما تعلمه فى مصر. أفلاطون أقام فى جامعة أون 13 سنة تلميذا لأجدادنا ولم ينكر فضلهم عليه وعلى اليونان فكتب فى كتابه القوانين «ما علم لدينا إلا وقد أخذناه عن مصر». إقليدس أبو الهندسة تعلم فى مصر وكتب كتابه الأصول. انجبت الإسكندرية هيروفيليوس مؤسس علم التشريح وآرازى ستراتوس رائد علم وظائف الأعضاء ويودى موس أستاذ علم الأجنة وأبولو ددرس أستاذ العقاقير والسموم وأمونيوس المصرى مفتت ومستخرج حصوات المسالك البولية!

قال العالم الأثرى والفلكى أنتونيادى: لقد أخذ اليونانيون عن المصريين كثيراً من الاكتشافات مثل: الأرقام العشرية والكسور والمعادلات، المتواليات الهندسية وهندسة الحجوم، المسلات لتعيين الوقت نهاراً ، الشمس والأرض والقمر أجسام كروية، وأن اليوم يبدأ من منتصف الليل، هندسة الأرض وهندسة السماء.

لا يتسع المجال لسرد انجازاتهم ونتناول الآن واحداً منها أو اثنين على أن نعود لغيرها يوماً . ولعله من المناسب أن نبدأ ببعض ملامح وخصائص الحكم تأكيداً بأن مصر عرفت أصول الحكم الرشيد وحقوق الإنسان قبل أن توجد الدول التى تتصور أننا فى حاجة أن نتعلمها منهم.

ابتداءً فإن أول حكومة فى تاريخ العالم كانت لدينا سنة 4241 ق.م أى منذ 6253 سنة مضت أى فى عصر ما قبل الأسرات. سنة 4200 ق.م وضع تحتمس أول قانون دولى ، كما وضع حور محب أول قانون لحماية حقوق الإنسان سنة 1393ق.م ومن وصايا الملك خيتى الرابع ( رابع ملوك الأسرة العاشرة) إلى ابنه مرع كارع «ما أعظم العظيم الذى يكون رجاله عظماء! وما أقوى الحاكم الذى يكون أتباعه نبلاء! تحلّ بالفضائل حتى يثبت عرشك على الأرض، هدىء من روع الباكى، ولا تظلم الأرملة ولا تجرد أحداً مما يملك، ولا تكن فظاً بل كن رحيم القلب، ولا ترفع ابن الشخص العظيم على ابن الشخص المتواضع بل قرب إليك الإنسان حسب كفاءته، حاذر من الانقسام الداخلى فى البلاد حتى تستطيع أن تتصدى للغزو الخارجى» وما أحوج أى حاكم فى أى مكان أو زمان لهذه النصائح.

قام نظام الحكم على العدالة وكان الجميع متساوون أمام «ماعت» إله العدل وفى عهد رمسيس الثالث صدر حكم بالإعدام على بعض رجال القصر للتآمر كان بينهم 2 قضاة أصدرت الحكم محكمة من 15 قاضيا.

كان الميزان يتصدر قاعة كل محكمة وقد أخذ العالم كله هذا الرمز عنا. كانت لدينا محكمة «الأرباب» لاستئناف الأحكام التى لا يرضى عنها المواطن. كان اسم المحكمة العليا بيت العدل الكبير وكان هناك مفتشون يمرون على المحاكم لضمان سير العدالة. لم يكن هناك محامون كان المتخاصمون يترافعون عن أنفسهم

كان الإعدام عقوبة قاتل النفس بغير حق أو قاتل المواليد والأجنة وشاهد الزور أو قاتل أحد أبويه وكان عقاب الإغتصاب قطع الأعضاء وللزنا كانت 100 جلدة. أما قطع اليد فكان لمن يسرق أو يغش فى الميزان أو المرتشى أو من يزور المستندات.. أما البلطجة فكانت عقوبتها قطع الذراع واحدى الأذنين. يتضمن كتاب التوحيد للقضاة وصايا كثيرة منها أحلف بالعدل أيها القاضى قبل أن تطلب ممن تحاكمه أن يحلف بالصدق الميل لأحد المتخاصمين رجس... أيها القاضى لا تجلس أمام الميزان لتحكم إلا إذا كنت سليم القلب صحيح الجسد مستريح الضمير ـ سنب حوتب 2100 ق.م

أيها القاضى أنت تحاسب الناس على أعمالهم فى الدنيا وسوف يحاسبك الإله على أعمالك وأحكامك فى الآخرة ـ الحكيم أنى 1800 ق.م كانت العدالة تطبق أثناء الحياة وأيضاً بعد الموت فى قاعة محكمة السماء التى يتصدرها أوزوريس وأمامه الميزان الذى يوضع على إحدى كفتيه قلب المتوفى وعلى الكفة الأخرى ريشة ماعت رمز الحق والعدالة. يقف وراء أوزوريس 42 قاضيا وأمام الميزان تحوتى اله المعرفة الذى يراقب الميزان ويقول جيمس هنرى برستد فى كتابه فجر الضمير أن القانون الأخلاقى فى مصر القديمة أسمى من القانون الأخلاقى فى التوراة الذى خلا من لا تكذب وقانون أخلاقى ليس فيه لا تكذب قانون أخلاقى ناقص. هذا التاريخ الثرى ألا يستحق أن يعرفه كل مصرى ليزهو به ويصبح دافعاً يحفزه على أن يستعيد لوطنه مكانته وأمجاده ونحن على ذلك قادرين. حفظ الله مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف