الأهرام
احمد عمر هاشم
معنى ليلة القدر
يرى بعض العلماء أن معنى القدر الذى أضيف إليه الليلة هو التعظيم‏,‏ كقول الله سبحانه وتعالي ‏(‏وما قدروا الله حق قدره‏)‏ فهى ذات قدر وتعظيم لما نزل فيها من القرآن الكريم‏..‏ أو أن العظمة والقدر لما يحدث فيها من نزول الملائكة‏,‏ وأيضا لما ينزل فى هذه الليلة من رحمات الله تعالى وبركاته وغفرانه وفيوضاته‏,‏ أو أن الذى يحييها يصبح ذا قدر وشرف‏,‏ ومنزلة كريمة‏.‏

والمراد بقوله‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صام رمضان إيمانا» أى تصديقا بوعد الله تعالى بالثواب‏,‏ فقد وعد رب العزة بثواب الصائمين وتكفل به‏,‏ كما جاء فى الحديث القدسي‏:‏ كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لى وأنا أجزى به واحتسابا أى طلبا لوجه الله سبحانه وتعالى وثوابه وطلبا للأجر لا لشيء آخر من رياء أو نحوه‏.‏ والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد‏,‏ وإنما قيل لمن ينوى بعمله وجه الله‏:‏ احتسبه‏,‏ لأن له حينئذ أن يعتد عمله‏,‏ فجعل فى حال مباشرة الفعل كأنه معتد به‏.‏

وفى قول الرسول‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ (غفر له ما تقدم من ذنبه) ما يفيد الإطلاق فيشمل الصغائر والكبائر‏.‏ والمعروف أنه يختص بالصغائر‏,‏ وأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة النصوح بشروطها وهي‏:‏ الندم على ما فات‏,‏ والعزم على عدم العودة والإقلاع عن الذنب‏,‏ ورد الحقوق لأصحابها‏.‏ وفى بيان الرسول ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ لجزاء الصائم بغفران الله له ما تقدم من ذنبه‏,‏ قيد هذا الجزاء بأن صيامه ‏(‏إيمانا واحتسابا‏),‏ لينفى عن ساحة الصائم الرياء وحب الظهور وغير ذلك من الدواعى التى تقلل ثواب العبادة‏,‏ بل أحيانا تحبطها‏,‏ وليكون الصائم مخلصا فى عبادته‏,‏ وصادقا فيها‏,‏ ومقبلا بها على ربه سبحانه وتعالى قاصدا بها وجه الله تعالى وحده لا شريك له كما قال الله تعالي‏:‏ (‏فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا‏).‏

وهذا الجزاء أيضا‏,‏ وهو غفران الذنوب‏,‏ يكون لمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ويكون قيام ليلة القدر بأداء صلاة القيام فيها‏,‏ وهى صلاة التراويح‏,‏ وبقراءة القرآن والتهجد والذكر والدعاء‏.‏ ولما كانت ليلة القدر غير محددة ولامعينة بل هى فى العشر الأواخر من شهر رمضان‏,‏ وفى الوتر من العشر الأواخر‏,‏ ويتناول الغفران الذنوب الصغيرة‏,‏ وقال الإمام النووي‏:‏ المعروف أنه يختص بالصغائر‏,‏ وبه جزم إمام الحرمين‏.‏ ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة‏،‏ وعند الإمام النسائي‏ (‏ما تقدم من ذنبه وما تأخر‏),‏ ولكن كيف تغفر الذنوب المتأخرة التى لم تفعل بعد؟ والجواب عن هذا هو كما روى فى شأن أهل بدر‏:‏ (اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم)‏.‏ ومحصل الجواب إنه قيل‏:‏ إنه كناية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع‏,‏ وقيل معناه‏:‏ أن ذنوبهم تقع مغفورة‏.‏

وهل يحصل الثواب المترتب على ليلة القدر لمن أقامها‏,‏ أو يتوقف ذلك على كشفها له ؟ جماعة من العلماء منهم الطبرى وغيره يقولون‏:‏ إن الثواب المترتب على ليلة القدر يحصل لمن اتفق له قيامها بالعبادة‏,‏ وإن لم يظهر له شيء‏,‏ ولا يتوقف الفضل الحاصل له على كشفها أو ظهور شيء من العلامات‏.‏

عضو هيئة كبار العلماء
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف