عمرو حسنى
حملة إعلانية لتنويم الضمائر
هل تستيقظ الضمائر بالإعلانات وبالتوجيه المعنوى؟ وهل تكمن مشكلة فساد الذمم من الأساس فى ضمائر الضحايا الميتة التى تنبع منها الشرور وتجعل منهم مجرمين وضحايا لبعضهم وبعض فى ذات الوقت؟ أم أن مشكلات المجتمع تنبع من غياب العدالة، والتمييز بين المواطنين، وازدواج المعايير، وتوريث الفرص النادرة، وأخلاق الزحام؟ كل ما سبق يجعل المأزوم يبحث عن حل لخلاصه الفردى حتى لو داس بقدميه على أعناق الآخرين. فكرة النظر فى المرآة، بمعنى مكاشفة النفس ومواجهتها بما يرتكبه الفرد من أخطاء، بهدف تعديل سلوكه دون تدخلات خارجية من خلال عملية تسمى Self Repair أى الإصلاح الذاتى، هى فكرة مثالية ساذجة تهدف إلى إلقاء اللوم على الضحية، ولا تؤدى إلى مردود إيجابى واقعى يصنع تغييرا حقيقيا فى المجتمع. السؤال بصيغة أخرى هو: هل تنضبط الأسعار فى المجتمع أوتوماتيكيا باستيقاظ ضمائر التجار جميعهم فجأة ذات صباح؟ أم أن العوامل التى تخلق إمكانية الوصول إلى سوق منضبطة هى: الرقابة الجادة على الأسواق، وتدخل الدولة لمحاربة الاحتكار، وتطبيق القانون بصرامة على جميع المتاجر دون استثناءات لمحاسيب من أصحاب المكانة الوظيفية؟ أعتقد أن الإجابة واضحة. فالعمل على تهذيب النفس مسؤولية الفرد والأسرة والمجتمع، ولكن إجبار المواطن على احترام القانون مسؤولية الدولة. هذا ما يمكن قوله عن إعلان النظر فى المرآة، أما عن إعلان المطبلاتى والمقللاتى فربما تكون فكرته الفنية جيدة، ولكن يعيبه أن النظرة الموضوعية للإنجازات لا يمكن الوصول إليها إلا بالشفافية والانحياز الواضح للفقراء، وهما أيضا من مسؤولية الدولة، ولا يمكن تبرير غيابهما بوجود المطبلاتى والمقللاتى. على العكس تماما فالمواطن لا يمكنه تقييم الإنجازات إلا عندما يعلم تفاصيلها ويشعر بنتائجها الملموسة بموضوعية دون حاجة إلى الاستماع لتطبيل أو لتقليل من أحد. للدولة دورها وللمواطن دوره، والخلط بين الدورين يحدث من غياب الرؤية وانعدام القدرة على الوصول إلى حلول واقعية لمشكلاته التى لا يحلها سوى التزام الدولة الكامل بالانحياز للفئات الأكثر عوزا، وباحترام الدستور والقانون وتطبيقهما على الجميع. هل ينصلح حال المجتمع بإعلانات الإصلاح الذاتى للمواطن؟ وهل تحققت الطفرات الاقتصادية التنموية فى المجتمعات المتقدمة بإعلانات تنمية الضمير الساذجة التى يتم إهدار الأموال لإنتاجها وإذاعتها؟ أم أن الطفرات تصنعها أنظمة تنظر فى المرآة، ولا تطبل لنفسها ذاتيا، ويشعر المواطن بإنجازاتها الملموسة التى يستحيل أن يقلل منها أحد حتى ولو كان من الأشرار الكارهين؟ مشكلة هذه الذهنية الإعلانية أنها تبرئ النظام وترى أن المواطن هو أصل كل الشرور.
الضمير الذى يوقظه إعلان يمكن تنويمه بإعلان آخر، والعدالة هى العصا السحرية التى توقظ الضمائر، ولا يحتاج تطبيقها إلى إعلانات.