جريدة روزاليوسف
فادى عيد
لندن ومثلث أنقرة الدوحة الرباط
لم يكن أى مشهد يحدث فيما سمى بالربيع العربى إلا وكان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بقرارات اتخذت فى غرف مغلقة بدول أرادت إعادة تشكيل سايكس بيكو، وجاءت الايام الاخيرة لتؤكد لنا ذلك بعد ان فتح ملف امارة الإهاب قطر، وتجلى دورها كأداة فى ترسيم الشرق الأوسط الجديد، وننتظر فتح ملفات دول أخرى بعد خروج سيف الاسلام القذافى من محبسه، وهو الأمر الذى جن فيه جنون باريس وروما والدوحة، ما جعل فرنسا تتحرك فى كل الاتجاهات، وتضغط على المحكمة الجنائية الدولية كى تعيده الى محبسه، فى حالة إن لم تستطع باريس تصفيته على غرار ما فعلته مع أبيه. والآن أود معكم قراءة ما يحدث بالمغرب الشقيق، فلا جدال على واقع الازمات والمشاكل الداخلية بالمغرب كشأن أى دولة بالمنطقة، وأنا هنا لن اتطرق لأى شأن داخلى من قريب أو بعيد يخص اشقاءنا بالمغرب، ولكن أود قراءة ما يدور بكواليس ذلك المشهد من زاوية أخرى أكثر عمقا، فى ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات خطيرة بدأت بمثل تلك المظاهرات وانتهت بما نشهده الان، وكيف سيكون تأثير ما يحدث بالمغرب على معادلات دولية واقليمية تعد المغرب جزءًا أصيلًا منها. بداية يعيش المغرب حالة من العلاقات المتوترة مع دول الجوار سواء الجزائر (الجار اللدود) بسبب ملف الصحراء، او موريتانيا التى دخلت على الخط بعد أزمة كركرات، او حتى الجار الشمالى اسبانيا، الذى قد يكون هو المتورط الاول فى أى محاولة تؤجج النار الداخلية لو ثبت أن هناك أطرافًا خارجية تتدخل فى الازمة الحالية بالحسيمة وليس الجزائر كما تظن السلطات المغربية، وهو توتر مشابه بدرجة اقل من حالة التوتر بين قطر وجوارها أيضا، ولكن لماذا حاولنا فى ذلك المقال الاشارة لوجود قطر والمغرب فى معادلة واحدة، سواء تجاه التعامل مع ملفات اقليمية كالملف الليبى، أو فى علاقاتها الخارجية، مع أن يبدو للعين المجردة أن الامر مختلف، وهنا دعونا نستعرض ثلاث نقاط وضعت، بل ربطت المغرب وقطر بمصير مشترك. أولا ليبيا: فقد جمعت ليبيا كلا من قطر والمغرب فى معادلة واحدة، فقطر كانت تمسك بالذراع المسلح عبر تمويل التنظيمات الإرهابية، والمغرب بالورقة السياسية عبر اتفاق الصخيرات، فقطر ذهبت لليبيا لتأكيد زعامتها على أراضى الغاز والنفط بالشرق، واستكمال مشروعها فى هدم الدول، ومحاصرة مصر من حدودها الغربية، بينما ذهبت المغرب لليبيا لمحاصرة الجزائر على حدودها الشرقية، قبل ان تتفاجأ كلتا الدولتين بحضور كل من الامارات لمقارعة قطر، والاردن لمواجهة المغرب على الارض الليبية، وهو الامر الذى تجلى فى عدم حضور العاهل المغربى للقمة العربية الاخيرة التى عقدت فى الاردن، برغم ذهاب عاهل الاردن (الذى انحاز للبرلمان والجيش الليبي) بنفسه للرباط لدعوة ملك المغرب (الذى انحاز لحكومة الوفاق)، وهو أمر له تفاصيل كثيرة. ثانيا تركيا: مثلت تركيا فى الخريطة السياسة والجغرافية ايضا للتنظيم الدولى لجماعة الاخوان المسلمين رأس المثلث، وهو المثلث الذى يرتكز على قاعدتين الدوحة ومفتيها القرضاوى، والرباط التى يحكمها حزب العدالة والتنمية المغربى (الحزب الذى خرج منه فكرة واسم النسخة التركية بزعامة جول واردوغان)، أى الدولتين أو القاعدتين الاخوانيتين بالمنطقة العربية، وهنا تمثل قطر والمغرب العمق الاستراتيجى لنظام أردوغان فى الوطن العربي، ولذلك كانا أول دولتين يعلنان تضامنهم مع أردوغان أثناء محاولة انقلاب تموز الماضى، واثناء أزمة قطر مع الخليج أعلنت المغرب وقوفها صراحة مع قطر، والتضامن معها وارسال مساعدات لها، برغم عمق المصالح الإماراتية السعودية فى المغرب، ولا يذكر أن جاء يوما أى اختلاف بين تركيا والمغرب وقطر فى التعامل مع أى ملف اقليمي، بل الثلاثة كانوا دوما فى غرفة قرار واحد. ثالثا بريطانيا: المملكة التى لا تغيب عنها الشمس، ولا يغيب عنها وجه الاسلام السياسى، والمأوى الآمن لآلاف العناصر الاصولية والارهابية، والتى بدأت تنكوى بناره، والتى تعيش حالة على المستوى السياسى والامنى هى الأسوأ منذ عقود، فأذرعها التى تحكم بها منطقة الشرق الأوسط الا وهم الممالك (الدولة الملكية التابعة لها) وتنظيمات الاسلام السياسى، تتعرض لضربات موجعة بالتوالى، فالقوسان التى تحتوى بهما لندن خريطة المنطقة (من الشرق الدوحة ومن الغرب الرباط) كلاهما يتعرضان لاهتزازات عنيفة ستستمر معنا حتى عيد الاضحى. أما تنظيم الاخوان المسلمين (العباءة الواسعة التى خرج منها كل التنظيمات السنية الاصولية) والتى استخرجت لندن شهادة ميلاده، سقط مشروعه فى شمال افريقيا، بفضل ثورة الثلاثين من يونيو 2013 بمصر، ثم حرق كروت حزب النهضة بتونس، ثم صحوة الجيش الليبى وعودته للساحة مجددا، ثم السقوط المدوى للإسلاميون بالانتخابات الجزائرية الاخيرة، واخيرا وليس آخرا ما تشهده المغرب سواء بالامس على يد الفاشل بن كيران او اليوم على يد الاكثر فشلا سعد الدين عثماني، ونحن نعلم ان ملك المغرب اختار طريقًا مغايرًا عن طرق تعامل الانظمة العربية مع تنظيم الاخوان، وقرر لهم ترك الحكومة كى تكون شماعة أى فشل يحدث بالدولة، والتخلص من ضجيج الاسلاميين وصوتهم المزعج المطالب دوما بالسلطة فى نفس الوقت، ولكن هذا ليس معناه أن الامور ستظل مستقرة وهادئة دائما بين من لا عهد لهم ومن لا يشبعون الا وهم الاسلاميين والبلاط. بعد شرحنا السابق يتبين لكم شكل المعادلة التى تجمع صانع ومحتضن الاسلام السياسى (بريطانيا) ووكلاء ذلك المشروع (تركيا، قطر، المغرب) بكافة اشكاله الذى حاول الغرب ترويجه لنا، سواء اظهاره مرة فى صورة الحداثي، ومرة فى صورة المعتدل، ومرة فى صورة التقدمى ... الخ، كما سيتبين لكم التأثر الحقيقى لما يحدث فى ريف المغرب سواء على المغرب نفسه أو على باقى أطراف المعادلة، ونفس الامر مع قطر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف