من الذين أفاء الله عليهم بنعمة الهداية ونور البصيرة رجل من بني إسرائيل عندما جاء سيدنا محمد بدعوة الحق ووقف في وجهه المشركون. هذا الرجل اسمه عبدالله بن سلام أدلي بشهادة صدق أكد فيها ان ما جاء محمد صلي الله عليه وسلم هو من عنده وليس كما يدعي المشركون والكفار بأباطيلهم وقد أشار رب العالمين في آيات بالقرآن الكريم في سورة الأحقاف: "قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم وشهد شاهد من بني إسرائيل علي مثله فآمن واستكبرتم ان الله لا يهدي القوم الظالمين" ـــ 15 الأحقاف ـــ. لقد من الله علي عبدالله بن سلام بنعمة يختص بها من يشاء من عبده وهي "نور البصيرة" وقد أشار إليها رب العالمين في الآية الكريمة بسورة الحج حيث يقول سبحانه: "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور" ـــ 46 الحج ـــ. فهؤلاء قد صموا آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا علي تكذيب ما جاء به محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم عنادًا واستكبارًا لكن عبدالله ابن سلام شهد بصدق محمد صلي الله عليه وسلم مؤكدًا ان الكتب السابقة المنزلة علي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل محمد صلي الله عليه وسلم قد بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبرت به الآية الكريمة التي سبق ذكرها. وقد كانت هذه الشهادة من رب العالمين في هذه الآية بمثابة وسام علي صدر عبدالله بن سلام الذي تصدي لكذب المشركين وأعلن صراحة أن ما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم هو الحق وآمن بما جاء في شهادته لمعرفته بحقيقته لكن الكفار استكبروا وعاندوا وكفروا بما جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم أما عبدالله بن سلام فوقف مع الحق وسجل القرآن شهادته وستظل وثيقة حاضرة حتي يرث الأرض ومن عليها وينطبق في حق عبدالله بن سلام قول ربنا سبحانه: "وإذا يتلي عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين" وقوله: "إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلي عليهم يخرون للأذقان سُجدًا.." أما الكفار فقد عاندوا واستمروا في كفرهم وضلالهم وقالوا عن المؤمنين برسالة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لو كان خيرًا ما سبقونا اليه ومن هؤلاء السابقين في الإيمان برسالة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بلال بن رباح. وصهيب الرومي وخباب بن الأرت رضي الله عنهم أجمعين وأشباههم من المستضعفين والعبيد والإماء. كل ذلك يؤكد نبل عبدالله بن سلام وصدق نيته ووقوفه في جانب وتلك نعمة نور البصيرة التي يجود بها رب العالمين علي من يشاء من عباده.
سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من جانبه أثني بشدة علي موقف عبدالله بن سلام وتأييده لدعوة الحق وتكذيب أباطل الكفار الذين استكبروا وعاندوا زورًا وبهتانًا. انه بحق لموقف مشرف من رجل عندما سمع ما جاء علي لسان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فلم يهب أو يخف من الكفار وأعلن شهادته علي رءوس الأشهاد مشيرًا إلي كتب الرسل الأقدمين قد شهدت بصدق دعوة محمد وصحتها. ولذلك فقد روي مالك عن عامر بن سعد عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لأحد يمشي علي الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبدالله ابن سلام رضي الله عنه. وفيه نزلت: "وشهد شاهد من بني إسرائيل علي مثله".
حقيقة نداء الحق يصدع له كل الذي وهبهم الله نعمة الرؤية الصادقة والبصيرة النافذة. لم يغمط حقًا ولم يخف حقيقة في أزمان كان الباطل وقول الزور هو الأسلوب السائد وذلك كما فعل عبدالله بن سلام وفي آيات سورة الأحقاف تتويج لموقفه مع الحق وسيظل هذا الموقف من جانب عبدالله بن سلام نبراسًا يهتدي به ذوو العقل الراجح والفكر السديد وكذلك أولو العلم لا يغمطون حقًا لأحد لانهم أكثر الناس معرفة بالحقائق. وقد أشار الحق تبارك وتعالي إلي ذلك في آيات سورة فاطر حيث يقول سبحانه: "إنما يخشي الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور" ـــ 28 فاطر ـــ. أهل العلم دائمًا يقفون مع الحق خاصة ان نور العلم يجعلهم يدركون كل ما خفي علي الجهلاء أو الذين يعاندون ويستكبرون فهم أشد الناس خشية لله سبحانه وتعالي والخوف منه يملأ قلوبهم ويمتلك وجدانهم.. رحم الله عبدالله ابن سلام.. ونسأله أن يلهمنا الصواب والطريق المستقيم.