أوس بن الصامت بن قيس بن عوف الأنصاري الخزرجي من المسلمين الأوائل ومن الشعراء وله في هذا المجال باع طويل. وقد من الله عليه بالدخول في الدين الحنيف شأنه شأن الأنصار الذين استجابوا لنداء الحق علي لسان سيد المرسلين سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ وهو سليل أسرة لها تاريخ مشرف في صفوف المسلمين الأوائل. فشقيقه عبادة بن الصامت وهو من كبار الصحابة ومن رواة الحديث عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ. شرح الله صدره فكان من رواد أهل الحديث الناقلين عن رسول الله قولاً وعملاً. وقد شهد أوس بن الصامت غزوة بدر في صفوف المسلمين كما شهد كل المشاهد مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقد رزق الله أوس بن الصامت زوجة صالحة هي خويلة بنت مالك بن ثعلبة وهي بنت عم أوس وهي من نفس هذه العائلة الأنصارية وقد عاشت سنوات شبابه فكانت نعم الزوجة المؤمنة الصابرة وظلت في حياتها وفية لبيتها وزوجها راضية بحياتها ومعيشتها.
مضت حياة أوس وبنت العم خويلة هادئة إلي أن صار أوس من كبار السن وفي هذا العمر يتعرض العجائز لبعض الضعف في شئون الحياة شأن كل البشر. وفي هذه المرحلة من العمر اشتهر أوس بين المؤرخين المتابعين لمسيرته بأول من ظاهر من امرأته في الإسلام وتتلخص تفاصيل هذا الظهار أنه في أحد الأيام قال لزوجته خلال تشاجر أو اختلاف معها في بعض شئون الأسرة: أنت علي كظهير أمي. بمعني أنها محرمة عليه كحرمة أمه تماماً وهذا القسم الذي تلفظ به أوس لم يعرف أحد من المسلمين عنه شيئاً وأن زوجته حين سمعت منه هذا القسم أخذت تتدبر الأمر واعتراها التفكير وأخذت تتساءل فيما بينها هل من حق أوس زوجها معاشرتها. كما كان قبل أن يقسم عليها هذا القسم وظلت التساؤلات تطاردها إلي أن جاء أوس في أحد الأيام وحاول معاشرتها وألح في طلبه لكنها رفضت وأثرت علي الرفض وأزاحته بعيداً عنها.
أمام هذا الموقف المتأزم زوج أقسم يميناً لا تعرف كيف الخروج من المأزق الذي وضعها فيه ابن العم وعن هذه اللحظات الفارقة في حياة خويلة بنت تعلبة تقول بكل صراحة: لقد خرجت من بيتي في لهفة بعد أن استعرت ثوباً من إحدي جاراتي واتجهت نحو رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وفي عبارات مؤثرة أخذت تعرض علي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ طالبة الفصل في اليمين الذي أوقعه عليها زوجها لكن الرسول أخذ يوصيها بابن العم بينما هي ظلت تشتكي وتوضح للرسول مدي لوعتها وتقول يا رسول الله إن لي منه أطفالاً صغاراً ان ضممتهم إليه ضاعوا وإن ظلوا معي جاعوا وأثناء حديثها ذي الشجون الصادرة من امرأة مؤمنة تريد أن تعيش مع زوجها في ظلال قواعد واضحة علي أساس من شرع الله.
قبل أن تنتهي هذه الزوجة الصالحة المؤمنة من شكواها وحرصها علي معرفة ما ترتب علي اليمين الذي أقسمه زوجها أوس بن الصامت ففي التو واللحظة نزل أمين وحي السماء بآيات من سورة المجادلة تتضمن تفاصيل شكوي هذه السيدة المؤمنة وتحمل في ثناياها الحلول لهذا القسم الذي تلفظ به أوس بن الصامت هذه السورة الكريمة من القرآن الكريم بدأت كالتالي: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلي الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير. الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم اللائي ولدنهم وانهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور" ثم أخذت الآيات توضح القول الفصل في أول ظهار في الإسلام وتتضمن الحلول لهذا القسم والواجب علي من يقسم بهذا اليمين: أولاً عتق رقبة ـ بمعني تحرير عبد من الرق وجعله حراً. بنفقة من مال هذا الزوج صاحب القسم ومن لم يجد فعليه صيام ستين يوماً فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. أمام هذه الحلول الثلاثة أفصحت خولة عن أحوال أوس بن الصامت زوجها بأنه عجوز لا يقدر علي الصيام وفقير لا يستطيع إطعام المساكين أو عتق رقبة. فكان الرسول الكريم قد ساهم في مساعدة أوس بإطعام ستين مسكيناً. انصرفت المرأة سعيدة بهذا الحل وصارت هذه القواعد من الأساسيات في الشريعة الإسلامية ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وشاءت الأقدار أن يرسل أوس إلي بيت المقدس ومعه أخوه شداد وتوفي عن اثنتين وسبعين سنة رحمه الله رحمة واسعة ورحم زوجته المؤمنة.