اندهشت مثلكم تماما عندما وقعت عيناى على الكلمة، كنت أبحث عن ترجمة لإحدى الشخصيات بكتب التراجم والتاريخ والأخبار الإسلامية، وقعت عيناى على الكلمة فى كتاب «نزهة الألباب فى الألقاب» لابن حجر العسقلانى (توفى سنة 852هـ)، وكانت «حنبش»، أسفل الكلمة ذكر ابن حجر اسم صاحب اللقب، وهو: محمد بن أحمد بن خلف البندنيجي، وأضاف إليها جملة ثانية: «كان حنبليا، فتحول شافعيا، فلقب بذلك وهو من شيوخ ابن سكينة».
بالطبع هذه المعلومة المختصرة لم توضح لنا معنى كلمة حنبش، وهل هو اسم أم صفة، وما الغريب فى انتقاله بين المذاهب، يتبع المذهب الحنبلى ثم يتحول للمذهب الشافعى، ولماذا تحول؟، وفى أى عصر كان يعيش؟، ما هي تواريخ مولده ووفاته؟، وما هى بلدته؟، ومن هو ابن سكينة الذى كان يتلقى منه العلم؟
لابن حجر العديد من الكتب، عدت «لسان الميزان» وعثرت على ترجمة له، وذكره هناك «حنفش» وليس حنبش، ولقب بحنفش لأنه: «تحنبل ثم تحنف ثم تشفع»، كان يتبع المذهب الحنبلى، ثم تحول للمذهب الحنفى، ثم ذهب إلى المذهب الشافعى، وذكر ابن حجر تاريخ مولده، وهو سنة 453هـ، وتوفى سنة 538هـ، وقال أيضا: كان يتهاون بالشرائع، ويعطل، ويستخف بالحديث وأهله ويلعنهم، وذكر عن السمعانى: كان يخل بالصلوات».
هذه المعلومات ترسم ملامح لشخصية مقلقة، لأن المعطل هو الذى ينفى بعض الصفات عن الله عز وجل، كما أنه، حسب ابن حجر، كان يستخف بالأحاديث النبوية، أضف إلى ذلك عدم انتظامه فى أداء الصلاة.
رجعت لكتاب ثالث من كتب ابن حجر العسقلاني، وهو (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه)، وتبين أنه ذكر له ترجمة مختصرة جدا، شملت تاريخ وفاته، واسمه، وتحوله بين المذاهب الثلاثة، والغريب أن ابن حجر أثبت لقبه فى هذه الترجمة كما سبق وذكره فى كتابه لسان الميزان، «حنبش»، وهو ما يدفعنا للتحفظ، هل محمد بن حمد لقب بحنفش أم بحنبش؟، وهل ابن حجر لم ينتبه للفرق بين الفاء والباء؟، هل يمكن إرجاع الفرق إلى المصادر التى نقل عنها ابن حجر ترجمة حنفش؟، هل هذا الاختلاف أو الخطأ يتحمله الناسخ (كان يقوم بوظيفة المطبعة) الذى قام بنسخ كتاب ابن حجر؟
ابن حجر العسقلانى لم يعاصر حنفش، فالأخير توفى سنة 538 هجرية (القرن السادس)، وابن حجر ولد بعد وفاة حنفش بـ 235 سنة، فقد ولد عام 773هـ،(القرن الثامن) وتوفى عام 852هـ(القرن التاسع).
لم يكن أمامي لحل هذه الألغاز سوى العودة إلى الفترة التى عاش فيها الأستاذ خنفش أو حنبش، وهى المصادر التاريخية التى عاصر مؤلفوها القرنين الخامس والسادس من الهجرة، ربما تمكنا من توفير بعض الأخبار، عن حديثه فى التعطيل، وإنكاره للسنة النبوية المشرفة، هل كان ينكر جميع الصفات التى أثبتها الله عز وجل لنفسه فى القرآن أم انه كان يؤولها؟، وهل كان ينكر جميع ما نسب للرسول عليه الصلاة والسلام؟، للحديث بقية.