المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
شطحات الأدباء.. والفنانين
من يصدق أن زكريا أحمد - هذا الشيخ المعمم الذى تطربش - الذى قدم لنا أعذب الألحان مثل أنا فى انتظارك.. والآهات، واختتمها برائعته «هو صحيح الهوا غلاب» هو نفسه الذى لحن أغنية نراها اليوم من علامات انهيار الفن، فى العشوائيات ونقصد بها أغنيته أو الطقطوقة التى يقول مطلعها: إرخى الستارة اللى فى ريحنا.. أحسن جيرانا تجرحنا.. ولكن كان هذا الإسفاف نفسه هو الذى قدم لنا أشهر الطقاطيق الخليعة مثل «تعض وتبوس فى التليفون.. أصلك إرح» و«على يا على يابتاع الزيت» أو «شفتوش ياناس على لابس قميص ولباس» و«يا سرير النوم ضيق يانه!!» أو «لازم اهشة دا العصفور..» و «دلعنى على الفرش شوية».

ولكن لا يمكن أن تصدقوا أن مؤلف النشيد الوطنى «بلادى.. بلادى» هو نفسه مؤلف الطقطوقة التى نضرب بها المثل فى الخلاعة والإسفاف، التى تقول: إرخى الستارة اللى فى ريحنا.. أحسن جيرانا تجرحنا.. ولكن هذه هى الحقيقة أن كاتب هذه الطقطوقة هو مؤلف الأغانى الشهير الشيخ يونس القاضى والتى غنتها فاطمة سرى عام 1923 ولحنها الشيخ زكريا أحمد.

وفى نفس الجو تلقف الشيخ سيد درويش كلمات رآها أفضل ما تكون عبارة عن مارش عسكرى وطنى هو الأول فى تاريخنا الموسيقى.. كلمات تقول بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى. مصر يا أم البلاد أنت غايتى والمراد وعلى كل العباد.. كم لنيلك من أيادى.. مصر أنت أغلى درة فوق جبين الدهر غرة.. يا بلادى عيشى حرة.. واسلمى رغم الأعادى.

وأخذ سيد درويش يلحن هذه الكلمات غير العادية لكى يشدو بها فى الاحتفال الذى ينظمه الشعب فى استقبال سعد زغلول عند عودته من المنفى يوم 15 سبتمبر 1923.. هو الاحتفال الذى لم يشهده الشيخ سيد، الذى توفى قبلها بساعات واعتقد البعض أن مؤلف النشيد هو بديع خيرى. بل كانت جمعية المؤلفين والملحنين تدفع لبديع حق الأداء العلنى ولسنوات طويلة إلى أن ظهر المؤلف الحقيقى للنشيد وهو يونس القاضى الذى أثبت ملكيته للكلمات فاسترد حقوقه المادية والأدبية وهذا النشيد أخذ يونس القاضى مطلعه من خطاب مصطفى كامل باشا فى أكتوبر 1907.

والمهم هنا أن كاتب هذا النشيد هو نفسه كاتب كلمات طقطوقة: إرخى الستارة اللى فى ريحنا!! ولم يتعجب أحد أيامها من هذا التناقض بين قمة الإسفاف.. وقمة الوطنية.. واللافت للنظر أنه كتبهما فى نفس العام.. عام 1923، للطقطوقة.. وللنشيد الوطنى.

■ ■ ليس هذا فقط فإن الشيخ زكريا أحمد الذى قدم لنا أعظم أغانى أم كلثوم «هو صحيح الهوا غلاب..»، هو نفسه الذى لحن طقطوقة «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة!».

■ ■ وحتى كبار المؤلفين والأدباء تتراوح أعمالهم بين الإسفاف.. وبين العظمة ويؤكد ذلك يونس القاضى.. والشيخ زكريا.. وغيرهما كثيرون. ولكن هكذا «شطحات» هؤلاء وهؤلاء.. وربما تكون قصيدة أحمد شوقى بك هى المعبر عن ذلك، التى يقول فيها وهو يودع رمضان ويستقبل العيد ويطلب الخمر علانية: رمضان ولى هاتها يا ساقِ

مشتاقة تسعى إلى مشتاقٍ!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف