الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
موائد الرحمن.. لها قصة
هل تعلم قصة موائد الرحمن؟؟.. حسنا.. أقولها لك:
كان من عادة الملك فاروق ومن قبله والده الملك فؤاد إقامة مأدبة ملكية كبري في أول أيام شهر رمضان يدعو إليها مجلس الوزراء كاملا وشيخ الأزهر ورؤساء مجلسي النواب والشيوخ ومحكمة النقض ومجلس الدولة.. بروتوكول هذه المائدة.. يتوافد المدعوون إلي صالون قصر عابدين الكبير وقبيل أذان المغرب بثوان ينزل الملك لمصافحة الضيوف.. مؤذن السراي يرفع الأذان.. ويتناول المدعوون بعض البلح ثم تقام الصلاة.. ثم يتوجه الجميع إلي حجرة المائدة لتناول الافطار الملكي.. وكان زمان شيخ الأزهر هو ثاني رجل في بروتوكول الدولة بعد الملك مباشرة وقبل رئيس الوزراء.. وفي أثناء ذهاب المدعوين إلي حجرة المائدة.. وهناك ممر طويل بعض الشيء.. قطع الشيخ المراغي الصمت وقال للملك:
- هل صُمت اليوم يا جلالة الملك؟!!
سؤال جريء في جمع كبير له مكانته.. لذا توقف الجميع عن المشي.. وساد الصمت مرة أخري.. فقال الشيخ المراغي للملك:
- ما عليك.. ممكن تطعم مسكينا صائما كل يوم..
ثم استدرك وقال:
- تطعم مسكينا إيه؟؟! جلالتك تطعم مئات الصائمين كل يوم وهنا بدأت موائد الرحمن ــ كما أطلق عليها فيما بعد ــ كان حوش قصر عابدين يستقبل كل مغرب عدداً كبيراً لإفطارهم بعد سماع الأذان من مؤذن السراي.. وعادة تتطور الأفكار.. فقد رأت الحكومة ان فتح أبواب القصر علي مصراعيها عدة ساعات ليدخل من يدخل فيه خطورة علي أمن القصر.. لذا تقرر تنظيم الحكاية.. فتقرر دعوة أعضاء نقابات العمال المختلفة تحت إشراف النقابة وعلي مسئوليتها.. ثم نقابات المهن مثل المحامين والمهندسين والصحفيين والتجاريين.. وكان الملك فاروق ينزل من القصر مع بداية الأذان ويحيي الموجودين.. ويتناول بعض الشيء ثم يصعد مرة أخري.
***
توقفت هذه الموائد بعد ثورة يوليو ..1952 ولكن بعض العائلات الكبيرة خصوصا في الريف بدأت علي استحياء وضع منضدة طويلة أمام الدوار أو البيت الريفي ليتناول من يريد من المارة طعام الإفطار.. وأذكر أن أول بيت كبير ــ ولا أريد أن أقول قصرا ــ كان في العباسية وهو بيت عائلة مطاوع وضعت مائدة الرحمن أمام باب البيت.. وبالتدريج انتشرت في العباسية بالذات حيث بيوت أحمد باشا عبدالغفار وزير الزراعة ومحمود سليمان غنام باشا وزير التجارة وبيت ماهر باشا والد اثنين من رؤساء الوزارة أحمد وعلي ماهر وسمي الشارع باسمه وحول منزله بعد وفاته إلي مستوصف مجاني.. ثم غيرهم.
***
كانت البداية ان الناس تريد الخير ــ خاصة في رمضان ــ ولكن الناس كانت تخشي أن يقال انه تقليد وتخليد لعادات الملك المخلوع.. ولكن بالتدريج انتصر الخير علي كل شيء.. وبمرور السنوات انتشرت فكرة موائد الرحمن أكثر مما كنا نتصور.. ويقال ان هذا العام شهد أقل عدد من موائد الرحمن ليس لارتفاع الأسعار بجنون فقط.. بل قيل ان أكثر الناس الذين كانوا حريصين علي موائد الرحمن هم أبناء الطبقة الوسطي.. لا تقل لي رجال الأعمال ولا المليونيرات ولا أصحاب المصانع والشركات.. أبناء الطبقة الوسطي هم الأكثر عبادة والتقرب إلي الله.. وهم الأكثر معاناة في هذه الظروف.. لذلك قل عدد موائد الرحمن في الميادين والشوارع الرئيسية هذا العام..
***
بمناسبة جرأة الشيخ المراغي وسؤاله للملك عن صيامه من عدمه.. قيلت حكاية قديمة..
بعد طلاق الملك فاروق لزوجته فريدة.. طلب الملك من الشيخ المراغي فتوي انه حرام أن تتزوج فريدة بعد طلاقها من ملك البلاد.. يقال ان شيخ الأزهر اهتز كيانه ووقف وقال عبارة "انت اتجننت" رغما عنه.. وقال وهو يغادر المكان بسرعة: هذا كان لنساء الرسول فقط!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف