الأهرام
سكينة فؤاد
«لا تظلموا الدعاء».. ولا العدالة الاجتماعية!!
الله أكبر كبيرا.. والحمد لله كثيرا.. وسبحان الله بكرة وأصيلا.. تجليات تكبيرات العيد.. ظلت تفعل معجزات داخل نفس الصبية الصغيرة وتنتظرها من العام للعام.. وكأن العيد لا يأتى إلا بها.. وحتى كبرت الصغيرة ودخلت فى دروب الشيخوخة.. ظلت تكبيرات العيد تتحول إلى خيوط من فضة تبرق تصعد عليها دعوات المؤمنين إلى السماء.. يرفعها العمل المخلص.. آمنت دائما أنه لا سبيل للوصول والتواصل مع الخالق عز وجل والاستجابة إلا بالعمل الجاد والمخلص والمتقن.. ألف وأرق روحها بلا حدود.. ما أكثر الدعاء الذى يفيض ويتحول إلى بحور طوال شهر رمضان والسؤال الذى لا يجد اجابة جادة.. هل رفعته أعمال تجعله مستحق الاجابة والاستجابة؟!! اعتقد أنه إذا كانت الاجابة «نعم» ما كانت الأمة وصلت إلى ما وصلت إليه.. اعتقد أن هذا الوجع العقلى والروحى كان وراء جملة عبقرية وردت فى خطاب الرئيس احتفالا بليلة القدر «لا تظلموا الدعاء»!! لقد مضى الشهر الكريم ورفع المسلمون من أطنان وجبال الدعاء ما لو حلقت به أجنحة العمل لغيروا الدنيا علما ومعرفة وتقدما وابتكارا بدلا من أن تظل عالة وتوابع ومستهلكين ومتلقين.. بل ويصل الخرف والتضليل العقلى والروحى ببعض منا إلى تحويل القتل والترويع والاتجار بالدم فريضة اسلامية أو تتخذه جماعات وأدوات إرهابية غطاء لمطامع سياسية..«الحمد لله أن المسلمين لم يعرفوا دينهم حق المعرفة وإلا لسادوا الدنيا بالعلم والعمل والوعى والمعرفة والقيم الإنسانية» هذا ما قاله المستشرق الفرنسى جاك بيرك بعد ترجمته للقرآن الكريم..!!

لن تُشفى وتتقدم هذه الأمة إلا عندما ترفع الدعاء بالعمل الجاد والمخلص والمتقن فى سبيل الرقى الحضارى والثقافى والعلمى والإنساني.. ساعتها نستطيع أن نقول اننا أمة بخير ـ فعلا وعملا لا عبارات نرددها وتهانى نتبادلها دون أن يكون لها صلة حقيقية بما تعيشه وتكابده ويتعذب به الملايين من أبنائها.. ورغم كل شيء ودائما.. كل عام وأنتم وهذا الوطن العزيز بخير ونصر.. وعمل جاد وانتاج.

عيدية العيد كما أطلق عليها كثيرون والتى ترفع الحدود الدنيا للدخول والمعاشات،.. هل اتخذت الضمانات الكافية لتحقيق المقصد الأساسى والرئاسى منها وهو دعم الحماية الاجتماعية للجموع الأكثر احتياجا وتخفيف الأعباء عن الملايين التى وقع عليها الجانب الأكبر من توابع الأزمات الاقتصادية وارتفاع فى معدلات التضخم اعترف وزير المالية أنها وصلت لمستويات قياسية وبلغت 30% وفقا لآخر احصائيات الشهر الماضى وسائر ما تطرق إليه الوزير فى مقابلة مع وكالة بلومبرج الأمريكية عن العجز فى الموازنة العامة وارتفاع نسب الفقر! فهل تحقق القرارات الأخيرة ما قصدته التوجيهات الرئاسية لتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية عن الملايين الأكثر احتياجا إليها. أم أن التنفيذ كالمعتاد يشوبه ما يجعله يصب فى مصالح القادرين ويكتفى بإلقاء الفتات للأكثر احتياجا ولأصحاب الدخول الأقل ولأصحاب المعاشات؟!! لماذا لا يترجم ما تم من اجراءات من أجل الحماية الاجتماعية للمواطن الأكثر احتياجا لها إلى أرقام لتكون الصورة أوضح ولقطع شكوك باليقين فى مقدمتها أن الحكومة تعمل لصالح القادرين ابتداء بالاجابة على سؤال مهم.. ماذا اتخذت من اجراءات وقرارات فعلية لترشيد الإنفاق الحكومى ولإيقاف مصارف حكومية لا تحدث فى أغنى الدول من حراسات وأمن ولزوم وجاهة ومظاهر فارغة ونفقات رحلات لا لزوم لها للشأن العام. ومن دعم وتخفيف أعباء ضريبية للكبار.. وماذا تم من اجراءات للسيطرة على الأسواق وتحقيق أسطورة حماية المستهلك؟!!

للأسف توفر الإرادة الوطنية المؤكدة لتحرير مصر من استمرار الظلم الاجتماعى وسنوات طويلة من افتقاد العدالة والكرامة والتمييز لا تواكبه إدارة تملك الحس الإنسانى والسياسى لمعالجة وتقليل الفروق والفوالق فى مستويات المعيشة والتعليم والعلاج وحتى كوب الماء النظيف وسائر الحقوق الأصيلة والمبدئية للمواطنة. وفى قليل من الاعلانات التى أفلتت من سقطات الاتجار بالألم تجلت المحنة فى مستوى معيشة مجموعة من السيدات يعانين وهن وأوجاع شيخوخة أثق أنها بسبب الظروف الصعبة أكثر من حقيقة أعمارهن.. من باعت الحلق لتجرى جراحة فى عينيها لتحتفظ ببصيص البصر المتبقى لها.. من أحق بالعلاج على نفقة الدولة؟! والثانية والعاشرة والألف فى بيوت بأسقف من بوص يطل منها القمر وينزل المطر وتزحف الحشرات وآلاف غيرهن يشربن أولادهن من ماء آسن فى ترعة وبقية الاعلانات تدعو لشراء وحدات فى منتجعات تمتلئ بملاعب الجولف وحمامات السباحة!!

> من أسوأ الاعلانات ما حمل صور مسئول من مسئولى بيت الزكاة يقوم بتوزيع استحقاقات المواطن على أنها منح وعطايا!! ثم التباهى الغريب والمؤسف لوزيرة التضامن أن 9.4 مليون مواطن يستفيدون من زيادة المعاشات.. ولا أعرف ماذا تمثل الزيادات الجديدة قياسا إلى الظروف بالغة الصعوبة والاحتياج إلى الرعاية بكل صورها التى ترتبط بهذه المراحل المتأخرة من العمر فى الوقت الذى لا يطالبون فيه إلا بتحويشات أعمارهم وما قاموا بادخاره وقام بالسطو عليه النظام الأسبق.. ولا يوجد أفضل من البرلمانى الكبير والقديم ـ البورسعيدى الكبير البدرى فرغلى المتحدث باسم أصحاب المعاشات ليبلور مأساة 9 ملايين أسرة تمثل كما يقول 40% من المجتمع نصفها يعيش تحت خط الفقر وأكثر من 20% منها تحت خط الموت وتضاعفت معاناتهم مع الظروف الاقتصادية التى تمر بها بلدهم وارتفاع التضخم إلى نسب غير مسبوقة كما أكد وزير المالية.. ويطالبون بتحقيق قضائى مستقل عما حدث لأموال تأميناتهم وعن الأرقام الحقيقية لها. ويؤكد البدرى فرغلى أن بعض من شاركوا فى صناعة المأساة مازالوا فى وزارات المالية والتضامن ـ وأن ما تصرح به الوزيرة حول أرقام هذه الأموال غير صحيح وبما يستدعى من رئيس الوزراء اجابة عن سؤال مهم. ماذا تمثل نسب الزيادات الجديدة قياسا إلى الأسعار والأرقام التى ارتفع إليها التضخم وماذا تمثل الزيادات بالقياس إلى مدخرات أعمارهم التى لا يحصلون على شيء منها.

> لا تجهضوا المحاولات الجادة لاقامة العدالة والحماية الاجتماعية لجموع وملايين فى أمس الحاجة إليها بسياسات إاجراءات تجهضها وتذهب بها لغير مستحقيها ـ وبمسئولين يعيشون فى انفصال عن الواقع الإنسانى والاقتصادى والمعاناة الحقيقية للمواطن.. وبقوانين غائبة.. ونواب أكثر انفصالا!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف