منذ فترة وضحت الصورة عندما أشارت مصادر موثوق بها إلى أن النية تتجه إلى اسناد ولاية العهد إلى محمد بن سلمان، وأن الملك سلمان عرض الموضوع على ترامب خلال زيارته التاريخية للرياض وكان أن أيده لا سيما وأن الأمير الشاب يحظى بدعم ترامب وتأييده. ولا أدل على ذلك من أنه كان أول مسئول عربى بارز يستقبله ترامب فى البيت الأبيض فى مارس الماضى بعد أن أصبح رئيسا لأمريكا. وبالتالى فقرار تعيين محمد بن سلمان لم يكن مفاجئا. ولكن المفاجأة جاءت فى سرعة وصوله إلى المنصب خلال فترة قياسية لم تعهدها الأسرة الحاكمة فى المملكة.
محمد بن سلمان كان ينظر إليه - حتى قبل تعيينه وليا للعهد - باعتباره الحاكم الفعلى للمملكة وأحد مهندسى السياسات الاقليمية. وصف بأنه رجل كل شىء والأكثر نفوذا فى المملكة، وعرف بطموحه الشديد وسلوكه العدوانى. ويأتى تعيين محمد بن سلمان بعد اعفاء محمد بن نايف فى ظل تحديات هائلة تجابه المملكة منها تراجع أسعار النفط، ومنها الصدع الحاصل فى الأسرة الخليجية مع فصم العلاقات مع قطر والذى انعكس توترا مع تركيا ودول أخرى. بل وأسهم فى تعقيد أزمات المنطقة فى فلسطين وليبيا وسوريا. هذا بالاضافة إلى استفحال الأزمة اليمنية من دون أفق للحل بعد حرب منهكة تقودها السعودية لدعم شرعية عبدربه منصور هادى وهى الحرب التى اتخذ محمد بن سلمان قرارها فى 26 مارس 2015 وتعد حربه الخاصة ولكن وللأسف لم يحدث معها أى تغير على أرض الواقع. اللهم إلا أنها الحرب التى تولد عنها بؤر فى اليمن تحاول كل منها أن تكون دولة. بؤر مفتوحة لصراع دينى وبالتالى فهى تجسد اليوم أكبر التحديات التى تواجه ولى العهد الجديد.
إنها حرب اليمن التى كبدت السعودية المليارات دون أن يلوح فى الأفق ما يشير إلى قرب نهايتها. ويكفى أنها أدت إلى سقوط عدد كبير من المدنيين نتيجة للغارات الجوية السعودية وتدميرها للبنية التحتية، كما أدت إلى نمو الجماعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة وداعش. وبذلك فشلت السعودية فى تحقيق نصر عسكرى يرغم الطرف الآخر على تقديم تنازلات. إنها حرب اليمن التى خطط لها كى تكون سريعة وحاسمة بيد أنها تحولت إلى حرب لا يبدو الفوز فيها لأحد. بل على العكس أدت إلى معاناة واسعة للمدنيين مع الجوع والكوليرا، وأفضت إلى صورة سلبية للمملكة. ولهذا تزداد المخاوف حيال قدرة ولى العهد الجديد على انهاء هذه الحرب التى بدأها.
أما بالنسبة للأزمة مع قطر فإنها ستستمر لا سيما مع اصرار الدوحة على الغاء الاجراءات التى اتخذت ضدها قبل النظر فى شكاوى البلدين تحديدا وهما السعودية والامارات. بل قد يؤدى الموقف إلى تداعيات تقود إلى انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجى وبروز محور جديد يضم قطر وتركيا. هناك عامل آخر قد يواجه ولى العهد الجديد يتعلق بالأمن فى الداخل والخارج لا سيما بعد الاطاحة بولى العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف ذي الباع الطويل فى التعامل مع المتطرفين والمسلحين فى الداخل والخارج.
ولا شك أن قرار الملك سلمان اسناد ولاية العهد لنجله بعد إعفاء محمد بن نايف قد جاء ليحسم الموقف ويستبق بذلك حدوث أى صراع على السلطة بين نجله وابن عمه. وتشير التوقعات اليوم إلى أن الملك سلمان قد يتنحى لكى يخلفه نجله ويطمئن على تنصيبه ويطمئن على أن لا أحد فى السعودية يستطيع الانقلاب على قراره. هذا ما يتوقعه البعض والله أعلم.