بحثت طويلاً، هل كلمة التليفزيون مستخرجة من بطون اللغة العربية الفصحي؟ أم أنها من المفردات المستحدثة فى حياتنا، والتى أصبح لها وجود فى الاستخدام اليومي، بصرف النظر عن موقف مجمع اللغة العربية منها. قالوا من قبل عنه إنه الإذاعة المرئية. وقيل المرناه. وقيلت تعبيرات أخرى كثيرة. لكنى أعتبر أن استخدام الناس لمفردة من المفردات يعطيها شرعية الوجود فى حياتنا. بصرف النظر عن موقف شيوخ اللغة منها.
أكتب فقط عما شاهدته من بعض مسلسلات رمضان. وما تمكنت من مشاهدته أقل من القليل. لكنه يمكن أن يعطى فكرة من زاوية رؤيتى للأمور. ولا أقول إنها رؤية صائبة ولا حكيمة كما يفعل الآخرون. ولكنها رؤية ذاتية تحتمل الخطأ قبل أن أُحَملها بإمكانات الصواب. ففى السلوك الإنسانى والبشرى لا بد أن نعتبر أن الخطأ قد يسبق الصواب. وأن الخطأ قد يكون الطريق ربما الوحيد إلى الصواب. مع أن كلمة الصواب حمالة أوجه. ولكل منا صوابه الخاص.
أول مشاعرى عندما كنت أشاهد ما شاهدته من دراما تليفزيونية هو غياب الدولة المصرية عن هذا الميدان المهم. كلنا نتكلم عن السينما المصرية والدور الذى لعبته فى ستينيات القرن الماضي. عندما حملت الحلم المصرى إلى كل من ينطق بالعربية فى أى مكان من العالم. بل إنها بعد ترجمتها إلى لغات أخرى حملت الحلم المصرى إلى من لا ينطقون العربية. خصوصاً فى العالم الثالث. فى إفريقيا وآسيا وأجزاء من أمريكا اللاتينية.
يصفون سينما تلك الأيام بأنها كانت قوة مصر الناعمة. وأنا أقول انها كانت قوة مصر القوية. وأنا أكتب هذا الكلام لكى ينشر ثانى أيام عيد الفطر المبارك. ولا أريد أن أنكأ جراحاً. ولا أن أتوقف أمام هموم. ولا أن أحاول تبديد أحزان. فنحن نقول لأنفسنا فى صبيحة العيد: كل سنة وأنت طيب. وكل منا ينتظر من الآخر فى هذا اليوم العيدية. والعيدية ليست الأموال التى نقدمها للصغار. العيدية قد تكون كلمة جميلة أو ابتسامة على الوجه أو يدا ممدودة للمصافحة يحركها قلب لا يعرف سوى الحب. ووجدان يبحث عن وليفه فى أى مكان من مصر.
الصغار ينتظرون العيدية لكى يصنعوا بها فرحاً لا يطل عليهم سوى مرتين فى العام كله. الأولى فى العيد الصُغَيَّر، والثانية فى العيد الكبير. اللذين يحملان اسمي: عيد الفطر وعيد الأضحي. والكبار يحاول كل منهم أن يحصى على نفسه ما أقدم عليه خلال السنة، وما فعله وما لم يفعله. والأهم أن يعرف منا كل ما يفعله. لأن المعرفة قد تقوده لأن يحاول فعله للأيام القادمة. ثم انطلق من لحظته الراهنة إلى الزمن الآتي، ماذا يمكن أن يفعل فيه؟.
لكن كل سنة وأنت طيب، وهى فرض عين علينا جميعاً، لا تمنع أن نلحق بآخر ذكريات ما شاهدته من دراما رمضان وما حملته للإنسان من لحظات سعادة، أو قضاء وقت، أو ربما أسئلة جوهرية لا يستطيع الإنسان الهروب منها حتى لو حاول أن يفعل ذلك. فالسؤال سيبقى محركاً لما يحدث فى الدنيا، إما بالبحث عن الإجابة عنه أو حتى إهماله. مع أن إهمال الأسئلة خطأ لا يجب أن نكثر من ارتكابه، فالسؤال قد يقود لصواب أهم من العثور على إجابة له.
أحزننى غياب الدولة المصرية عن إنتاج الدراما التليفزيونية. فى التليفزيون الآن قيادة جديدة واعدة تراهن على زمن أفضل، هو حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام. وهو ابن المهنة، خارج من دروبها وشوارعها الخلفية والأمامية. ويعرف خفاياها. لكن وآه من لكن هذه ضيق ذات اليد قد يمنعه من أن يلعب دوراً فى استعادة دور مصر فى إنتاج الدراما التليفزيونية.
أعرف أن القطاع الخاص ينتج. وأن الإنتاج له ما له وعليه ما عليه. لكن ما أقصده بدور الدولة هو التصدى لأعمال فنية بسبب قيمتها الروحية ومردودها الفكرى والمعنوى عند المشاهد. وهذه أمور قد لا تشغل منتج القطاع الخاص. وان انشغل بها أحد المنتجين ولدينا من يفعل هذا فعلاً فإن منتجاً آخر قد يتسبب فى تبديد الأثر المعنوى الذى فعله زميله الذى يدرك البعد الوطنى والحضارى للإنتاج الدرامى التليفزيوني.
قطاع الإنتاج لم ينتج، تركه مديره أحمد صقر ليخرج عملاً هنا أو عملاً هناك. وشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات ربما شاركت فى إنتاج عمل. عمل ما، بصرف النظر عن قيمته ومردوده. أُسمى مشاركتها «تسليم مفتاح». ومدينة الإنتاج الإعلامى رغم ما حققته من تعافٍ ماليٍ وتسديد بعض ديونها القديمة واسترداد أصولها. إلا أنها لم تقترب من الإنتاج التليفزيوني. وكلما رأيت أسامة هيكل بحكم زمالتنا فى البرلمان وفى لجنة الثقافة والإعلام والآثار، أنوى سؤاله عن السبب فى غيابه عن إنتاج الدراما التليفزيونية. وهو غياب غير مبرر. لكن أموراً كثيرة تشغلنى عن طرح السؤال الذى ربما رأيته مهماً.
لاحظت أمرين على تليفزيوناتنا وما أكثرها. انها لم تعرض علينا أى مسلسل عربى تم إنتاجه فى قطر عربى شقيق. وهى مسألة مهمة، إما أن تعرض علينا هذه الأعمال كعروض مشتركة بالتبادل، أى أن نعرض أعمالهم مقابل أن يعرضوا أعمالنا أو أن نشترى ما يستحق شراؤه. لأن الدراما التليفزيونية توجد حالة من الوجدان الجمعى نحن فى أمس الحاجة إليها.
لست متخصصاً فى هذا المجال، وبالتالى ليست لديّ فكرة عن الإنتاج العربى للدراما التليفزيونية التى تعرض عندهم فى رمضان. ولكن من المفيد أن نعرف ماذا يفعلون؟ وكيف يفكرون؟ ربما كان ذلك بداية للإنتاج العربى المشترك الذى تشترك فيه أكثر من دولة، ولماذا لا ترعى جامعة الدول العربية هذه الفكرة؟ لأننا عندما نتحد أو نحاول أن نتعاون نقدم أفضل ما عندنا. أما أن يفعل كل منا ما يريد أن يفعله بعيدا عن الآخرين، فقد يصيب وقد يخطئ، والخطأ مؤكد فى هذه الحالة. أيضاً لاحظت غياب المسلسل الأجنبى المترجم أو المدبلج، أى المسلسل غير العربي، ربما لم يكن مسلسلاً رمضانياً تم إنتاجه للعرض فى رمضان.