الأهرام
فريدة الشوباشى
فرنسا..اليسار انحسار أم انكسار ؟
الانتخابات التشريعية التى جرت أخيرا فى فرنسا غيرت جغرافيا الخريطة السياسية بصورة واضحة، تدعو الى التأمل حيث من المتوقع ان تؤثر هذه النتائج على دول اوروبية أخرى.. ومن بين التطورات التى يتوقف امامها المراقبون،تلك القفزة النوعية التى حققتها المرأة فى البرلمان الجديد، حيث قفزت نسبة مشاركتها من 5% عام 1991 الى 38% عام 2017..وهو ما يعد برأى الخبراء انتصارا أكيدا حققته المرأة الفرنسية فى هذه الانتخابات ،فعدد أعضاء البرلمان 577 عضوا ،353 رجلا و224 امرأة..أما ما يلفت الانتباه بشدة ،وبالرغم من امتناع 56% عن التصويت ،فهو تراجع اليسار عموما وبصورة أكيدة ..فالحزب الاشتراكى الفرنسى حكم سنوات عديدة ،منذ عام 1981 عندما تولى الرئيس الراحل فرانسوا ميتران قيادة البلاد ،كأول اشتراكى فى تاريخها يصل الى هذا المنصب ،ثم بعد ذلك كان آخر الرؤساء الاشتراكيين الرئيس السابق فرانسوا أولاند ..وقد اظهرت الانتخابات الاخيرة تدهور شعبية الحزب الاشتراكى الى ادنى مستوى ،خاصة وقد تولى الحزب كما اشرنا مسئولية الحكم ويبدو عزوف الناخبين عنه بهذا القدر الكبير بمثابة اقرار بفشله فى تلبية احتياجات وطموحات اغلبية كبيرة من المواطنين. ،وهو ممثل فى البرلمان بـ 29 مقعدا .الظاهرة الثانية الدالة على انحسار اليسار هو التراجع الغريب فى مكانة الحزب الشيوعى والذى كان من اقوى واكبر الاحزاب الشيوعية فى اوروبا حيث حصل بالكاد على عشرة مقاعد ، دليل آخر على ان زمن الشعارات الرنانة قد ولى ،حصول حزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف على ثمانية مقاعد فقط لا غير ،بعدما اعلنت زعيمة الحزب مارين لوبين انها قادرة على حكم فرنسا ورشحت نفسها فى الانتخابات الرئاسية ،وهناك ايضا تراجع انصار البيئة او الخضر الذين تدنى تمثيلهم الى نائب واحد فى البرلمان الجديد ..هذه التغيرات تدق جرس انذار لكل حركات اليسار وتقول بوضوح ان الجماهير تعبت من الشعارات الثورية الطنانة وتريد ان تعيش بكرامة ..ان الرئيس ايمانويل ماكرون قد حصد أغلبية مطلقة ،مكونة من يسار اليمين ويمين اليسار ،اللذين شكلا القاعدة التى سيستند عليها ،أى انه ليس بحاجة الى مساندة اى حزب او تيار ويعتمد على انه درس الأوضاع دراسة جادة، فهناك اغلبية كبيرة تعانى غلاء الأسعار ،حتى كاد اليورو يتساوى مع قيمة الفرنك قبل تغيير العملة والدخول الى السوق الاوروبية،بينما تحدد سعر اليورو وقتها باكثر من ستة فرنكات..ولا تزال الأحزاب التى كانت كبرى وانكمشت فى مواجهة هذا الرئيس الشاب تحت وقع الصدمة ،لا سيما انه لم يعلن تبنيه نظرية معينة ولا ايديولوجية محددة، بل يؤكد فى كل مناسبة انه يريد تطبيق شعار حزبه «فرنسا تتقدم»..والدول لا تتقدم بالشعارات الرنانة بل بتحديد معالم طريق الانطلاق فى كل مجال..فماكرون يعد بالاهتمام بالصناعة حتى تحتل بلاده مكانة مرموقة فى هذا المضمار وكذلك الزراعة والتعليم وبناء علاقات جيدة بل وممتازة ان أمكن ،مع الدول التى ترحب بالتعاون مع فرنسا ،كما يبدو من تصريحاته الايجابية عن مصر ومحاربتها الجادة للارهاب ..ويرى المراقبون ان استغناء ماكرون عن مساندة أى تشكيل سياسى له فى البرلمان سيطلق يديه فى تطبيق برنامجه هو ، وفى الوقت نفسه قد يؤدى نجاحه الى انكسار اليسار بعد انحساره ،ومن جهة ثانية سيدفع قادة اليسار الاشتراكى والشيوعى الى مراجعة مواقفهم ومحاولة فهم دواعى التغيرات فى مجتمعهم وما اذا كان لايزال هناك امل بان يعود اليسار الى لعب دور فى الساحة السياسية ،وهو ما ينطبق ايضا على اليمين المتطرف ،وقد تكون الرسالة قد وصلت بان الناس قد ملت الشعارات التى تخاطب العاطفة وليس العقل..وربما كان فى كل هذه المواقف ايضا بعض التفسير لنسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة جدا..يبقى ان الفرنسيين متفائلون برئيسهم الشاب وأفكاره الشابة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف