التحرير
د. مجدي العفيفي
تجليات الشوق والدمع والحوار
صــوت عظيم: «لَوْ أَنزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ».. إلهــــي دكـّـنــي دكـــــا.. ولا تـأخذك بي رحـمة!! وحطم ما تبقى فـيّ حرّقـني ولا تـبـقِ. رمادا من جزيئاتي.. ولا أثرةْ! فإن تــنثـر بقــايــــايا.. أخاف أخاف طهر المـلـك والملكــوت والـعـظمة! إلهـي.. وانـتــزع ذاتي، فذاتي لم أعد يا رب أعرفها!! أمانتــُك التي أودعتهـا فـيِّ أضيّعها أفـــرط فـي قــداســتــها وأهـــتك سرّ حرمتـــهـا! مدينتـك التي رفعت لــواء الحـب والطـاعة.. قـــد انطمسـت معـالمهــــــا! قـــد انغـلقــــت موانئهـــــا! مدينتــك التي لم ترتفع راياتهـــا البيضاءْ ولا انجــرفت مع الطـــوفــان ذات مساءْ قـــد انهـارت شـواهـدها قد انتحرت مشـاهدها! صــوت عظيم: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ».. - شرايين الوصول إليكَ.. قد نضبـتْ! وأوردة الحنـين إليــكَ.. قد جــفــتْ، وقد ســـقطت، محاريب الصلاة إليك يا ربي.. وقلبي ماتَ، سـمعي مات، وَجْـدي مات، كلّي مات يا رباه! صــوت عظيم: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم».. وماذا أبتغـــي يا رب؟ وقد دالــــت إلـيّ دولْ! وأشجار الخلود تمايلت حولي..! وملـك ليس يبلى.. هكــذا يا رب خيّل لي! فمن أي المواد خلقتني يا رب! أمن طـين..؟ أمن نور..؟ أمن نـار..؟ ولكن كل شيء أنت خالقه.. يسبح لكْ! لماذا لم أسـبح باسمك الأعلى؟! وكيـــــف أشـــــيح يــــا ربي، بوجهـــي عن ســـنا وجهــكْ؟! وأيـن أنـا.. بملكك أنت.. كونــك أنــت، أرضـك أنت، خـلقــك أنــت، أين أنــا.. وكيف أنـا؟! صــوت عظيم: «إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا».. أنا «الفرعون» يا ربي فأغرقني، أنا «النمــروذ» يا ربي فحـــرقني، عقـــرتُ «الناقـــة» الآية فـدمـدمني طغيت كـ«عـاد» يا ربي فـسوطني، أنا «الشيطان» يا ربي ولسـت أريــد «تنظــرني» فأهلكني..! أنا لا شـيء يا ربي فخلصني من اللا شيء! إلام أظـل بين البـيـْن؟! إلام أظــل أحيـا ميتا يا ربْ! وهـــل أحيـــا ألـوّث هـــذه الدنيــا، وأركــض بالخطايا في ربــى الملكـــوتِ، أعصـف بالثوابت، والتوازن كيـف لي أنا ان أخل بهِ، أبعثـر في قوانين الوجــــود، وأدعي أني أنا سلطان قانون الوجود.. أنا! إلام أظل بين النار واللا نار؟! متى أدفـــــن متى يا ربنــا المؤمن؟ متى أفهــــــــــم.. بأوهـــامي أنـا المغــرمْ.. بآثــامي أنـــا المتخــمْ! أنا يا رب عبــد خاطئ أبــدا! أهيــــــم وراء أهـــــــوائي، وأجــــوائي تحلق في ثناياها خطـيئـاتي!! صــوت عظيم: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».. نعم.. ورفعت لي ذكرى، وكم يســـرتني لليســــر، وحين فرغت، لم أنصبْ، ولم أرغبْ، إليـكَ وما اســتحى وجهي، وقد عنـت الوجـوه إليـك يا ربي!!

إلهــــــي.. إن وجهيَ قد تغرب عن هويتيَ التي، فـضـت براءتها الليـالي، والتجارب، بين منصور ومهزوم، ومكسور.. ومكلوم، ومغضوب عليه، ومِن، ومغصوب، ومغتصب، وبيــــن وبيــن! إلهـــي.. إن وجهــيَ أدمن الزيــفَ المعتـق، بين أقنعتي التي التصقت بأوردتي! وقد هـلكـت بها نفـسي.. وقد ضــجـت بــــها ذاتي! فكان هبـــوط أشــــرعــتي.. وكان سقـــوط أجـــنــحتي!! إلهــــــي.. إن وجهـــيَ قد تفتــتَ، أين مني ذلك الوجه الذي كرمتَ فيه الآدميةَ، مـــا تخـــلــق، ما تصدع، ما تخشـــــــع، ما تدبـــر أحسنَ التقــويمِ، والتكريمِ، والتعظيمِ، والروحَ، الذي فيه نفختَ، فما تــدارك سر ذلكَ، أيـــن أيــن لــه المداركُ، والمهــالك من حواليه تراقصهُ.. تخـاصـرهُ!! صــوت عظيم: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ».. سـدى.. عـبـــث حيــــــاتي كلهـــا، عبــــث حيــــاتي إنهـــــا جــــدد نواصــيها، سود صحائفهـا، وأسـطـرها بلا معــنى، عناويني مبعثـرة، وجــدرانـي بلا عــمـد، تقومهــــا خطيئــــاتي.. تغلفهـا حمــاقـــــاتـي.. وعنـواني: أنا المخـلوق في كبـدٍ! أأرجع لك؟ نعــم.. لـكـن.. بأي جــوارح ألقـــاك يـــــا ربي ويــوم لقـــاك حـــــق الحـــــق.. وكل جــوارحي صـــارت أشـــــد من الحجـــارة قســــوة يــا رب! بشمسـك والضـحى، والليــل حتى مطلــع الفجـرِ، بحــــق الشـــفع والوتــرِ، بحق العـرش والكـرسي والـلوح، بحـــــق النــــور والــــروح، برحمتك التي سـبقت لظى غضبكْ! بوجهـك أنت أنت الـلـه.. لا غيركْ! أتــــوق إلى السبيل، إلى الدليل، إلى البريق، إلى الطريق.. فعلمني الوسيلة والطريقة.. وهب لي الحق يا ربي وصولا للحقيقة.. إلهــــي.. خالقــــي.. ربي.. واَه لـو تـبــل شــــغـاف قـلبي، قـطرة من فيـض رحـماتك! إلهـي.. لـو تدثـرني بمس من عطاءاتك وآه.. لو تعــــد خلقي وتكـــويني فتكــويني تباشـــير الرضـــا عني وتقـذفنـي بيـَم ليس يلـقيـني إلى شـاطئ أطَهـــــــرُ نفسيَ الصــــدئة.. أجلــي وجـــــه مرآتـــــي.. يباشــــر قلبي المكلوم تنوير.. وتثوير.. وتجديـد.. وتحديـد.. وتفريد.. وتجريد.. أرى الأشياء دون هوى ولا فتنة! صــوت عظيم: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ».. أعــوذ بمــن؟ ألــــــــوذ بمـــن؟! ومنـــك المن، أنت المـلتجا والمرتجى والأمن.. أتـــــــوق لمـــن؟! أأبحث عـــن ســمـاءٍ غير؟ أرضٍ غير؟ رب غـير؟ وما مــثــلـك.. ولا غيـــركْ.. ولا.. إلاكَ.. أنـتَ الله.. أنــتَ الله.. أنـتَ الله.....

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف