الظروف التاريخية الدقيقة التى تمر بها البلاد تحتم علينا جميعا قيادة وشعبا.. أن نستنفر جميعا لصياغة مشروع قومى للثقافة المصرية والتعليم.. فمصر تحتاج إلى ثورة حقيقية فى التعليم والثقافة.. ثورة ثقافية قادرة على إسقاط النمط التقليدى للتعامل مع ملف الثقافة المصرية.. ويجب أن يكون لدينا مشروع ثقافى قادر على تفكيك بنية الفكر الإرهابى المتطرف الذي زرعته جماعة الشر فى عقول أجيال لم تر سواهم على ساحة القرى والنجوع والمدن البعيدة عن الحكومة المركزية على مدى أجيال متعددة.. مشروع طموح له استراتيجية وأهداف بعيدة المدى.. يوازى مشاريع التنمية.. يسهم فى وضع رؤاه وصياغته مجموعات متنوعة من كافة المثقفين وعلماء الاجتماع والسياسة المتخصصين فى شتى مجالات المعرفة من مختلف الأجيال. وتتجلى أهمية حاجتنا إلى مشروع قومى للثقافة الآن.. لتسترد قطاعات كبيرة من شعبنا العظيم استحقاقاتها من المنتج الثقافى.. وحتى نرد لهذا الشعب وعيه الذى غيب على مدى سنوات عاث فيها خلايا التنظيم المتطرف شتى صنوف الغواية.. وتجنيد الكوادر لصالح أفكارهم الظلامية.. وتعددت أشكال التجريف الثقافى.. بعد أن اقتصر تداول السلطة الثقافية على نفر قليل من القيادات الثقافية.. وتم إقصاء عدد كبير من المثقفين المصريين من المشهد الثقافى لسنوات طويلة.. إلا من سمح له بالعمل بشروط النظام ورؤيته.. وغاب فيها التنسيق وتنظيم التعاون بين وزارات الدولة ومؤسساتها المعنية برعاية وصياغة وعى ووجدان هذا الشعب.. ومن هنا تأتى أهمية تتضافر جهود كل الوزارات والهيئات المعنية بصياغة مشروع مصر الثقافى.. وعلى رأسها :وزارة الثقافة.. والإعلام والتربية التعليم والتعليم العالى والشباب والرياضة والأوقاف والأزهر الشريف والكنيسة البصرية والنقابات المهنية والأحزاب السياسية والهيئات الثقافية لمستقلة. لقد حان الوقت لوضع مشروع ثقافى وطنى مستنير للدولة المدنية الحديثة.. مشروع قادر على حماية وعى الأمة المصرية.. وثقافتها السمحة.. وحضارتها العريقة وتراثها الغنى.. مشروع يقود فيه المثقفون معركة المواجهة مع الإرهاب والتطرف وخفافيش الظلام.. فالتعليم والثقافة هما خط الدفاع الأول لحماية الأمة المصرية من التطرف.. بعد أن أسند هذا الملف طوال سنوات ماضية إلى الأجهزة الأمنية لا يمكن أن تقضى على كهوف الظلام وساكنيها بمفردها.. فخرجت علينا هذه الجماعات الإرهابية متعطشين للانتقام والاستبداد والدماء.. فطوال السنوات الماضية انتشرت ثقافات غريبة عن مجتمعنا المصري.. لتملأ عقول البسطاء من شعبنا العظيم بما يخدم أغراضهم من خزعبلات وثقافات هابطة.. فتراجعت كل القيم وتوارت الثقافة المصرية الأصيلة خلف ظلمات الجهل والتخلف.. فى محاولات منهجية منظمة لطمس الهوية المصرية. فلم يعد من المقبول أن يكون نصيب المواطن المصرى من الإنفاق الثقافى داخل الموازنة العامة 26 قرشا سنويا.. وأن ميزانية الهيئة العامة لقصور الثقافة ظلت لسنوات 273 مليون جنيه فى السنة تحصد الأجور والمرتبات الهزيلة 90% منها.. وما ينفق فعليا على الأنشطة الثقافية 27 مليون جنيه فقط!! فميزانيات وزارات التربية والتعليم والشباب والرياضة والثقافة والإعلام مجتمعة ما زالت هزيلة.. وتحتاج لمراجعة شاملة وتوضع لها أولويات لأنها وزارات يجب أن تكون فى المواجهة وتقع فى خط الدفاع الأول.. فإسناد ملف مواجهة الإرهاب والتطرف إلى الأجهزة الأمنية وحدها ظنا منا أن جنودنا البواسل من رجال الجيش والشرطة من المفترض أن يظلوا طوال العمر يرابطون فى الشوارع من أجل حماية الوطن والمواطنين من بطش التنظيمات الإرهابية.. وهذا هو الخطأ الذى وقعت فيه بعض القيادات حين اعتقدت أن المواطن الواعى والمثقف المستنير أكثر خطرا عليها من المواطن (الإرهابى/ الضحية) الذى يقود سيارة مفخخة ليتحول إلى أشلاء متنائرة فيقتل ويقتل معه باسم الدين عشرات الضحايا من الأبرياء. إلى هذا الحد نحن أمة فى حالة حرب.. بينما مازلت أكرر من بداية الثمانينيات وحتى الآن عبر عشرات التحقيقات الميدانية المنشورة هذه المقولة: (فرقة مسرحية تغنيك عن كتيبة أمن مركزى).. لقد آن الأوان لأن تضطلع بهذه المهام الجسام: وزارات الثقافة والتعليم والتعليم العالى والشباب والرياضة والتنمية المحلية والأزهر والكنيسة.. نحن فى حاجة ملحة لرؤية جديدة وشاملة للعمل الجاد والجهد المخلص من أجل مستقبل الدولة المصرية المدنية الديمقراطية الحديثة.. الخالية من الإرهاب والتطرف.