الرأى للشعب
علاء لطفى
مملكة الألفية الثالثة

بقدر ما تبدو ترتيبات الحكم بالمملكة مفاجئة لكثير من المتابعين للشأن السعودي، الا أن المفاجأة لكل المراقبين كان تقرير معهد واشنطن الصادر قبل الاعلان رسميا بنحو 48 ساعة وكأنه كان يقرأ من تسريبات "شاومينج" أو من غرفة عمليات القصر الملكي بالرياض.

تذكرت تقرير الذى كتبه سايمون هندرسون فى نفس لحظة الاعلان عن ولاية العهد الجديدة بالرياض، وهو في تقديري يستحق القراءة لأكثر من مرة لأنه قدم عرض تحليلي استباقي ـ غامض في توقيته ـ لقرار مصيري تغير به مجرى التاريخ بالسعودية وبالمنطقة بأكملها، ليس فقط لأنه انتقال سلس من الأسباط الى الاحفاد متجاوزاً أعراف وتقاليد لن تصمد كثيراً أمام رياح التغيير التى تجتاح المنطقة منذ بضع سنوات ، ولكن لأنه بالأساس احراق لكل الرهانات التى تنبأت باشتعال الصراع على السلطة والحكم في مهد النبوة وأرض الحرمين الشريفين.. ووأد لأحلام الفتنة الكبرى التى تراود دولة الفرس وحلفاؤها وأعوانها في جزيرة العرب.

لم يعد هناك مفر من تجديد دماء الحكم في مملكة الألفية الثالثة تحسباً لسيناريوهات الفوضى التى تطبخ على مرمى بضعة أميال في الدوحة وطهران وأنقرة.

وبدلاً من ترك الأمر للفوضى دخلت المملكة في سباق مع الزمن غير مسبوق لاجتياز واحد من أخطر المنعطفات منذ تأسيسها وحتى الآن ، وهو تسليم أحفاد المؤسس زمام القيادة وارث الأوفياء من أبناء عبد العزيز.

اسقاط علامات الاستفهام وضبابية الموقف من تداول السلطة بالمملكة لن يكون بالأمر الهين وسط محيط من المتربصين والمشككين .. لأنه اسقاط لكل رهانات ومخططات الفوضى التى أعدت مسبقاً وانتظرت أعوام لإنفاذها ، فإذا بها تذهب أدراج الرياح.

لذا فمن المبكر القطع بأن الامور استقرت لصالح الترتيبات الجديدة وأن خصوم المملكة سوف يقبلون بالأمر الواقع ، خاصة وأن حملات التشويه للأمير الشاب قد بدأت مبكرة منذ ظهوره الأول كولى ولى للعهد ، ثم استعر الهجوم مع طرح رؤيته الاقتصادية لمستقبل المملكة المعروفة بخطة 2030 ، وتعرض لأقسى وأشد عبارات النقد والامتهان .. لكنه أظهر صلابة مقاتل عنيد لا يستهان به.

ولكن نظرة فاحصة لمجمل الأوامر الملكية ربما تشكل صدمة لكثير من خصوم المملكة لأنها انتقال فعلى للسلطة في أدق مفاصل الدولة الى أحفاد الملك عبد العزيز ، وليس في القصر فقط كما يتحدث تقرير معهد واشنطن.

تصعيد جيل كامل من الشباب الى سدة الحكم في حضرة الملوك الآباء وتحت اشرافهم الكامل وعلى مرأى من حياتهم هو عبور حضاري يطرح نموذج هادئ ومتزن لتبادل السلطة والحكم في الشارع العربي ، مناقض تماما لمفاهيم الفوضى الخلاقة التى دعت لها وحرضت عليها ادارة أوباما وأسالت دماء الأمة أنهاراً دون جدوى أو طائل منها.

ومشهد البيعة من ولى العهد السابق للأمير الشاب هو اعلاء لقيم الاحترام والوفاء التى فقدناها في غفلة من الزمن ودهستها أجيال الربيع العربي تحت أقدامها بدعوى التغيير ، الذى ارتبط في أذهان الجميع بانهيار منظومة الاخلاق والقيم والهدم والحرق والتخريب.

وأشهد بأنه مشهد تكرر أمامي قبل سنوات من الملك سلمان نفسه في زيارته الى القاهرة عندما اندفع مقبلا يد أخيه الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز وسط ذهول ودهشة الجميع اجلالاً واحتراماً لمقام أخيه الأكبر الذي لم يكن سوى وزير للداخلية وقتها.

مراسم الاحترام والتبجيل في تسليم وتسلم الحكم هى في تقديري أهم ما يترسخ في وجدان شباب الأمة في تلك اللحظات الحرجة، وهى الميراث الحقيقي المتبقي من الزمن الجميل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف