جلال دويدار
رحلة - فاشلون في استثمار.. حضارتنا القديمة والحديثة
»لا جدال أن الجهود المبذولة حاليا لتسليط الأضواء علي بقايا تراث »القاهرة الخديوية».. تستحق الاشادة والتقدير. بقي أن يتحرك القطاع السياحي الرسمي والخاص لاستثمار هذه الثروة التي لا تقدر بمال وبما يمكن تحقيقه من عوائد»
لا يوجد أحد في هذا العالم يمكن أن ينكر أن مصر هي جوهرة ورمانة التراث العالمي والحضارة الانسانية وأنه لا منافس لها في هذا المجال. انها ومن واقع التاريخ الذي يمتد لآلاف السنين ليست منبعا فقط للحضارة الانسانية القديمة وممراً للرسالات الدينية ولكنها أيضا كانت ساحة لكل المظاهر الحضارية الحديثة. هذه المقومات الفريدة تجعل منها متحفا مفتوحا يحكي الكثير مما يتعلق بعصور التطور الحضاري الانساني.
هذه الثروة الهائلة المبهرة تعد كنزا لا يقدر بمال لاثراء السياحة صناعة الأمل. الشيء المؤكد ان مصر المحروسة لم تأخذ - ومازالت - حظها من استثمار ما تملك من امكانات. هذه الثروات المتعددة التي ترتبط بذاكرة أي انسان في أي بلد علي سطح المعمورة مازالت تعاني القصور وعدم القدرة علي استثمارها بالصورة والحجم الذي يتوافق وقيمتها وعظمتها وشهرتها.
> > >
لا جدال اننا في حاجة إلي جهاز حرفي يتمتع بفكر متقدم يملك الأدوات وعبقرية الخلق والابداع في الاستثمار السياحي. من المؤكد ان عدم ادراكنا لقيمة ما لدينا وانغماسنا في توافه الأمور والخلاف والاختلاف فيما لا يفيد كان وراء تخلفنا في جني الثمار وتحقيق ما يجب من عوائد تمثل اضافة غير محدودة لاقتصادنا القومي. حتي نصدق ونؤمن بهذه الحقيقة الجلية فإنه ليس أمامنا سوي متابعة ما حققته دول لا تملك واحداً علي عشرين مما تذخر به اراضينا. هذه الدول نجحت في استثمار ثرواتها المتواضعة في هذه المجالات لتقديم الدعم والمساندة الفعالة لاقتصادياتها القومية.
ان سجل الحضارات القابعة والمنتشرة بالأراضي المصرية.. تشمل الفرعونية والرومانية واليونانية والقبطية والاسلامية. يضاف إلي كل هذا ما تمتليء به كتب التاريخ من مواقع لمعارك حربية علي أرضها.. لها شهرتها وتأثيراتها التي غيرت وجه التاريخ. في نفس الوقت لايمكن اغفال ما انعم الله به علي مصر من نعمة الموقع الاستراتيجي والطقس والطبيعة المتنوعة إلي جانب تعظيمه وذكره لها في كتابه المبين. ألا تكفي كل هذه المقومات المتعددة لان تجعل من مصر قبلة لعشرات الملايين من سياح العالم الباحثين عن المتعة الروحية والثقافية والترويحية. لكل هذه الأسباب ظلت ومازالت وستبقي مصر العظيمة رائدة وركنا أساسيا في حضارة هذه الدنيا. وهذه القيمة جعلتها هدفا للطامعين والمتربصين والحاقدين الذين حرمهم الله من كل هذه النعم.
> > >
إن ما دفعني إلي تناول هذا الجانب المضيء لمصر المحروسة.. هو التحرك الذي أرجو أن يلقي الاهتمام الواجب وألا يدخل في اطار الفورات الوقتية التي تنتهي كالعادة إلي لا شيء.. انه يتعلق بتسليط الضوء علي الآثار المتبقية لعصر الأسرة العلوية وما حققته من طفرة حضارية بنائية استهدفت التقدم والازدهار. ما اعنيه يتمثل في عمارة القاهرة الخديوية التاريخية والتي تعد اضافة عظيمة مبهرة وبارزة لكثير من الانجازات التي شهدتها مصر بداية من فترة حكم مؤسسها محمد علي باشا.. وشملت كل جوانب الحياة المدنية والعسكرية. ان روعة وجمال القاهرة الخديوية يدخل ضمن مسلسل الانجارات التي مازالت تتزين وتتجمل برسوخها الحضاري ومدنها وقراها وشوارعها.
كم أرجو أن تكون هناك جدية في الجهود التي يقودها محافظ القاهرة الهمام المهندس عاطف عبدالحميد مع وزارة الثقافة في ازالة ستائر النسيان عن هذه القيم التراثية والحضارية لفترة حكم الخديو إسماعيل بما تمثله من واقع جمالي تراثي تاريخي لقاهرة المعز لدين الله. في هذا الشأن فإنني اتطلع إلي ان ينتاب القطاع السياحي الرسمي والخاص نوبة صحيان حقيقية لوضع هذه المنطقة بمساعدة خبراء عالميين علي خريطة المزارات السياحية. انها وبكل تأكيد وبحسن الترميم والحفاظ عليها سوف تصبح مصدرا ثريا للعوائد الاقتصادية إلي جانب ما تمثله من اعتزاز بها كإحدي ركائزنا الحضارية التي تفخر بها علي كل الدنيا.