المصرى اليوم
أحمد الدرينى
زيارة لأرشيف نيوزويك
كان الأمر أشبه بالسحر وأنا أتناول بصورة عشوائية عدد 27 أكتوبر 2009 من مجلة نيوزويك الأمريكية من رف المطبوعات التي أحتفظ بأرشيف بعضها منذ سنين.

هذا العدد تحديدًا بمثابة نسخة متصورة عن المستقبل وما يمكن أن تؤول إليه بعض أمور الكوكب.

بلورة سحرية لا مجرد مجلة مطبوعة.

تخيل أنه تطرق لترجيحات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولظاهرة «أحمد موسى» في الإعلام، ولتطبيقات الهواتف المحمولة، ولنزاع واشنطن وبكين على قيادة قاطرة العالم، ولإرسال الجنود دون تدريب لجبهات القتال!.

(2)

مقال رشيق لـ «دانييل ليونز» يتنبأ فيه بمستقبل واعد لـ«آي باد» الذي توشك شركة «آبل» على طرحه في الأسواق. فحتى تاريخ نشر المقال لم تكن آبل قد أطلقت عليه هذه التسمية بعد.

ليونز يتحدث عن الثورة التي ستجتاح صناعة الإعلام والترفيه في العالم بعدما تتاح هذه الأجهزة السحرية دائمة الاتصال بالانترنت والتي سيترتب عليها ضرورة النظر في مستقبل التواصل البشري وقواعده الجديدة.

يندهش ليونز من ضخ 85 ألف تطبيق (app) في غضون 16 شهرًا لمستخدمي آيفون، ويعتقد أن هذه التطبيقات ستمثل طفرة هائلة في كل شيء.. وقد كان.

أما جاكوب ويسبيرج فيتناول السياسات التحريرية المنحازة لمحطة فوكس نيوز والتي تسببت في فوضى في المشهد الإعلامي الأمريكي عبر تقديمها محتوى مبتذلا ومضللا علميا ومعلوماتيا يتجاهل أي اعتراض عليه أو تقويم أو استدراك لمحتواه، فضلا عن تلوينه لكل قضية يعالجها بما يقتضي معاداة «البيت الأبيض» دون توفر دواعٍ موضوعية في كل اشتباكاته.

بصورة أو بأخرى نحن نتحدث عن إعلام يميني أخرق مصاب بلوثة ذهنية تتصور أنها تخدم مصلحة البلاد. (هل يذكرك الأمر بأشخاص بأعينهم؟)

يقول ويسبيرج: (لقد استطاع روجر آيلز – مدير فوكس نيوز- بإثبات أن الأخبار المحرفة أيديولوجيا يمكن أن ترفع من نسب المشاهدة، مما استفز منافسيه في (سي إن إن) و(إم إس إن بي سي) لتطوير نوعية من المقاطع الشعوبية والأيديولوجية في نشرة الأخبار. بهذه الطريقة لم تعمل فوكس على إفساد التغطية الإعلامية الخاصة بها فحسب بل إن نموذجها جعل من كل أخبار «الكيبل» شيئا كريها ولا يمكن الوثوق بها).

وهي العدوى التي يمكن أن نلحظ أن ميكروبها يتنقل بين المؤسسات الإعلامية في عالم اليوم دون ضابط أو رابط، وسط موجة جنون شوفيني تجتاح عدة عواصم مهمة في الكوكب.

(3)

في تحليل كتبه كل من ويليام أندرهيل وسترايكر مجواير عن السياسات التي يعتقد أن دافيد كاميرون سيتبعها حال توليه رئاسة وزراء بريطانيا (وهو ما سيحدث بعدها بـ7 شهور)، سيتوقع الكاتبان أن يتجه كاميرون للانفصال عن الاتحاد الأوروبي!.

يقول الكاتبان: (وجد استطلاع لآراء أعضاء الحزب الذي أجراه الموقع الإلكتروني لحزب المحافظين أن 39 بالمائة يؤيدون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي برمته، وفي ذلك تناقض واضح مع سياسة الحزب. ويضغط المتشددون أيضا باتجاه إجراء استفتاء حول معاهدة لشبونة التي يرون فيها خطوة خطيرة نحو الفيدرالية الأوروبية على الرغم من أن بريطانيا سبق أن التزمت بالاتفاق. إذا انقلبت حكومة كاميرون على الاتحاد الأوروبي فمن شأن ذلك أن يكون محرجًا جدا ويؤدي إلى تعقيد العلاقات مع فرنسا وألمانيا).

ورغم أجواء الصدمة التي عايشتها القارة الأوروبية بتصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي في العام 2016، إلا أن استشراف اتجاهات تصريحات كاميرون كان ينبئ بأن هناك مشروعا متبلورا لأجل الخروج من مظلة الاتحاد الأوروبي، وبحسم.

ففي تصريح آخر لكاميرون في ديسمبر 2009 سيقول: أنا قلق مما أعتبره وضع يد من جانب الاتحاد الأوروبي!

وكأننا كنا بلهاء حين اندهشنا مما جرى ونحن نشاهد نتائج تصويت اعتبرناها اعتباطية وتعبر عن شريحة سكانية وعمرية معينة في بريطانيا، لكنها لا تعبر عن مشروع سياسي متجذر بعمق 6 سنوات على أقل تقدير.

(4)

موضوع الغلاف من هذا العدد من نيوزويك كان بعنوان: (كل ما تعرفونه عن الصين.. غير صحيح).

وفي حين وجه كتاب الملف الرئيسي عن الصين سهام الانتقاد للتجربة الاقتصادية لبكين، جاء مقال رئيس التحرير الكاتب والأكاديمي ومقدم البرامج فائق الشهرة (فريد زكريا) ليتحدث عن مزايا النظام الاقتصادي الصيني مستهينا بالنظرة الأمريكية التقليدية الاستعلائية تجاه الصين مقتبسا سطرين من كتاب (انصهار فائق): «خلال العقد الماضي فيما كان الاقتصاد الصيني ينمو بشكل مطرد وبمعدلات غير مسبوقة بقي معظم المحللين الغربيين يتناقشون بشأن متى سينهار. الآن مع مضي الصين قدما بالرغم من الأزمة، يتناقشون بشأن متى سيتباطأ الاقتصاد الصيني. وكأنهم يرون الوقائع ولا يفهمونها».

واللافت هنا هو أن اجتزاء أي تقرير مترجم من صحيفة غربية لا يعني بالضرورة أن هذا هو رأي الصحيفة أو كتابها أو خبرائها، فقد تتجاور وجهات نظر متضاربة داخل المطبوعة الواحدة، وهو أمر طبيعي حين يتعلق الأمر بنقاش أمور إنسانية مطاطة كالسياسة والمستقبل.

ناهيك أن تكون وجهات نظر الصحف أو الخبراء الذين يتم استضافتهم على صفحاتها هي خلاصة الحكمة المقطرة مثلما هو الحال الذي نتعامل به معها. فالخبراء يتحدثون طيلة الوقت، ويمضي التاريخ في قبلته دون توقف أو تلكؤ أمام النبوءات المتفائلة أو المشؤومة.

(5)

تورد المجلة اقتباسات بارزة في كل عدد، والاقتباس الذي استوقفني في هذا العدد هو تصريح لمسؤول عسكري بريطاني مجهول الهوية، قال: «يتم تحويل المجندين إلى وقود للمدافع».

تعليقا على كيفية إرسال بلاده مجندين جددا إلى الحرب في أفغانستان دون إخضاعهم للتدريب اللائق! وذلك كي يحلوا محل الجنود الأمريكيين وقوات حلف الناتو.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف