الأهرام
عبد الرحمن سعد
أين أنت من شوال؟
بعد ختام شهر رمضان المبارك؛ بدأ شهر جديد، كان أول أيامه عيد الفطر؛ هو شهر شوال، الذي نبهنا الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى كونه محطة برحلة الصعود والترقي في طاعة الله، وهو ما يغفل عنه كثير من الناس، فيبدأون هذا الشهر باللهو، وقد يتنكبون فيه لطريق الطاعات التي ساروا عليها في رمضان.
جاء التنبيه النبوي الكريم، في ما ورد عنه، صلى الله عليه وسلم، من إِتباع صوم رمضان بصوم ستة أيام من شوال، باعتبارها سُنَّة مستحبَّة.

فأخرج مسلم، في صحيحه، من حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". (المقصود بالدهر السنة).

وتنوعت آراء العلماء في كيفية العمل بهذا الحديث، واتفقت أكثريتهم على استحباب صومها، شريطة عدم اعتقاد وجوبها، إذ لا تجوز الزيادة في عِدَّة رمضان.

وفي كيفية صيامها ورد استحباب صومها من أول شوال متتابعة، أو متفرقة طيلة الشهر، أو قبل الأيام البيض الثلاثة (منتصف الشهر)، أو بعدها.

وخرَّج أبو يَعلى الموصلي، بإسناد متصل عن أسامة بن زيد، أنه قال: "كنت أصوم شهرا من السنة، فقال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أين أنت من شوال؟". فكان أسامة إذا أفطر أصبح الغد صائما من شوال حتى يأتي على آخره.

قيل إنه في معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عدة منها أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلوات المفروضة، وبعدها: يكمل بها ما وقع في الفرض من خلل ونقص، كما قيل إنها (معاودة الصيام) علامة على قبول صوم رمضان.

قال ابن رجب، صاحب "لطائف المعارف": "من عمل طاعة من الطاعات، وفرغ منها فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يعقبها بمعصية".

وأردف: "ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها. وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها".

والأهم أن معاودة الصيام في شوال؛ هي رسال شكر من العبد؛ لله تعالى، على نعمة التوفيق لصوم رمضان، إذ أمر سبحانه، عباده، بشكر نعمة الصيام، لا سيما بذكره، فقال: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".(البقرة: 185).

قال الشاعر: "إذا أنت لم تزدد على كل نعمة.. لموليكها شكرا فلست بشاكر".

وقال أبو عمر الشيباني: قال موسى عليه السلام يوم "الطور": "يا رب إن أنا صليتُ فمِن قِبلك، وإن أنا تصدقتُ فمِن قِبلك، وإن بلغتُ رسالاتِك، فمن قِبلك، فكيف أشكرُك؟ قال: "يا موسى.. الآن شكرتني".

كما أن العائد إلى الصوم بعد رمضان يقدم دليلا عمليا على أنه لم يصم كَرْها، وإنما صام حُبَّا، وخضوعا.

وأمر آخر هو أن هذا الصيام تأكيد على تعظيم العبد لشعائر الله، وعدم استخفافه بها، أو استثقاله لها.

ولأن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، فقد كان عمل النبي، صلى الله عليه وسلم: "دِيمة"، وفق تعبير السيدة عائشة، رضي الله عنها، إذ كان، صلى الله عليه وسلم، يقضي ما فاته من أوراده برمضان، في شوال. كما ترك اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، في عام، فقضاها في شوال، واعتكف العشر الأول منه.

وبالنسبة لقيام الليل بعد رمضان: "كان النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يزيد في رمضان، ولا غيره، على إحدى عشرة ركعة"، وفق وصف السيدة عائشة، أيضا، رضي الله عنها.

وعَودٌ إلى صوم ستة أيام من شوال، فقد يشكل الارتفاع الشديد في الحرارة، هذه الأيام؛ خطرا على صحة الصائم، يتمثل في إصابته بالجفاف، والإجهاد الحراري، لكن خبراء الصحة يقولون إن صوم "ست شوال" فرصة عظيمة للذين لم يستفيدوا من صوم رمضان، ليخلصوا جسمهم من السموم، للابتعاد عن المقليات، والدهون.

كما يساعد صوم هذه "الست"، وفق الخبراء، على الانتقال من النظام الغذائي الذي مارسناه في رمضان، إلى النظام المعتاد في بقية السنة، بشكل سليم، ومتدرج.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف