الأهرام
عائشة عبد الغفار
غياب المعارضة فى فرنسا
أسباب نجاح إيمانويل ماكرون ليست مفاجأة، ذلك لأن الفرنسيين أرادوا فى مايو الماضى دفع أصغر مرشح للإليزيه ليتمكنوا فى شهر يونيو من وسائل الرئاسة والحكم... إن عددا كبيرا من الفرنسيين كما يرى المراقبون راهنوا على الحظ الذى حالف هذا الرئيس الواعد والأسلوب الذى انتهجه بمفرده لتوظيف الفرص الناجمة عن الانتخابات الرئاسية، إن غياب المعارضة قد يتسبب فى تطورات غير متوقعة لأنه بدون معارضة فالديمقراطية تفتقد قيمتها فكما قال الفيلسوف الفرنسى بومارشيه «بدون حرية اللوم والنقد فليس هناك مدح أو ثناء». وبالنسبة لجزء من الناخبين فإن احتضار الحزب الاشتراكى مؤلم وقد يبرره نوع الانسحاب أو الهروب.. ومنذ مؤتمر مدينة «تور» «Tours» عام 1921 عندما رفض «ليون بلوم» الانصهار مع الحزب الشيوعى فإن الحزب الاشتراكى كان يمثل بالنسبة للفرنسيين اليسار بمشتقاته.. ويؤكد أندريه بيرجير فى كتابه «هل سوف يختفى اليسار؟» كان بمثابة وطن له! ويسرد التزامه باليسار إن هذا الانتماء قد انكسر عند الفرنسيين وإن كانت هناك أصوات تطالب بإعادة بنائه ويعيدون إلى الأذهان أوقات انتصار الاشتراكية ـ الديمقراطية فى السويد أو ألمانيا. إن هذه الانتخابات تمخضت عن اختفاء الحزب الاشتراكى الذى عرفته فرنسا فى عصر ميتران ثم هولاند والذى كان يجمع بين جناح إصلاحى يتمتع بأهلية حكومية وجناح آخر يتطلع إلى تغيير جذرى فى المجتمع، وينظم التعايش بين الأحزاب الأيديولوجية التى تمتد من الماركسية إلى الوسطية.إن ورثة هذا الحزب يجب أن يعيدوا إحياء وإنعاش برنامجهم وإعداد قادتهم لمواجهة مشكلات مجتمع الغد... ومن ناحية أخرى يشهد اليمين انقساما على نفسه ولم يبت بعد فى التوجهات المضادة التى تمزقه أى قضايا الليبرالية الاقتصادية وبناء أوروبا وقيم الأسرة والمجتمع إلخ وهذا كان لا يحدث فى عهد رؤساء يتمتعون »بالكاريزما« مثل شيراك أو ساركوزي... وعلى اليمين أن يعيد تنظيم نفسه وأن يتسلح بالحداثة! أما حزب الجبهة الوطنية فلقد تأخر خمس سنوات فى حين كان قد حقق تقدما انتخابيا فى عهد مارى لوبان 2014 ـ 2015 ويجب أن يقوم على تسوية مشكلة معقدة وهى الحصول على مصداقية حكومية وبناء صورة لحزب قادر على أن يتحالف مع أحزاب أخرى بينما ينظر إليه حاليا بأنه حزب متطرف، متراجع ديمقراطيا وغير قادر على ممارسة السلطة.

والسؤال الآن هو هل حصول ماكرون على أغلبية برلمانية ضخمة يشكل عليه خطرا؟، والإجابة هى إن ماكرون يشعر مثل جميع رؤساء الجمهوريات الذين سبقوه بسعادة غامرة، وإنما بالنسبة للفرنسيين الذين يريدون لبرلمانهم دور نقاش مفجرا للأفكار والحلول فهم يشعرون بخطر نظام رئاسى مبالغ! وفى إطار يسار ضعيف متشرذم ورغم أن ميلونشون سوف يلعب دورا مهما فإن عددا ضخما من الناخبين الاشتراكيين انضموا إلى ماكرون.. لقد قام الناخب الفرنسى بمتابعة خطوات الفريق الجيوبوليتيكى الرئاسى الذى شكله ماكرون والذى أسهم فى طمأنة بعض الرؤساء الأفارقة والشركاء المهمين، وهناك إعجاب غير مسبوق بثقل وخبرة وزير الخارجية الفرنسى لودريان وإذا كان قد كسب ماكرون الرهان فى الانتخابات التشريعية فذلك يعود إلى أن الناخب الفرنسى شعر بأن فرنسا تستطيع من جديد تقديم قيمها والدفاع عن الغرب كما أن الرئيس إيمانويل يستطيع أن يقوم بتفعيل فرص أوروبا وديناميكيتها من خلال أربع أولويات هى النمو وفرص العمل والحفاظ على الحقوق الاجتماعية والأمن النقدى بفضل دعم منطقة اليورو وتعزيز الأمن من خلال الوحدة من أجل الدفاع وأمن القارة العجوز.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف