فبراير ٢٠٠٧ يعجز المدينون الأمريكان عن تسديد تسليفات الرهن العقاري، مما أدى إلى عمليات إفلاس للعديد من المؤسسات المصرفية٬ وكانت بداية الأزمة المالية العالمية الشهيرة التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول أوروبا والعالم٬ مما أدى إلى انهيار العديد من القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها السوق العقارية٬ تلك الأزمة تأثرت بها بنسب مختلفة أغلب دول العالم، ومن بينها مصر، وعلى الرغم من ذلك ظلت سوق العقارات المصرية في حالة ارتفاع ولم تنخفض أسعارها. ويرجع السبب إلى أن النسبة الأكبر من سوق العقارات تخضع لملكية أفراد وليست شركات عقارية كبريى بجانب أن أغلب قطاع العقارات في مصر قطاع غير رسمي لا يخضع للتسجيل بجانب ضعف مفهوم التمويل العقاري. هذه الحالة غير الاقتصادية انسحبت على مجمل النشاط الاقتصادي، وخصوصا التجاري منه في مصر٬٬ أو ما يطلق عليه السوق غير الرسمية أو بمعنى آخر السوق السوداء، فبعض التقديرات تصل بنسبة السوق غير الرسمية المصرية لأكثر من ٧٠٪، هذا النمط من الأداء الاقتصادي، وعلى الرغم من تأثيره المباشر على الاقتصاد الكلي للدولة فإنه أنقذ الوضع الداخلي المصري في أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى الآن٬ فمع ضعف الاستثمار وانخفاض الناتج القومي المصري وقلة الدخل، وخصوصا من قطاع السياحة إلا أن حركة السوق المصرية ما زالت مستمرة، ليس لكفاءة الدولة المصرية ولكن لاتساع السوق الاقتصادية غير الرسمية٬ وإن كان هذا الوضع يضر في حالة التنمية الاقتصادية فدمج الاقتصادي غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي للدولة يساعد وتيرة التنمية والنهضة، ولكن هذه هي الخصوصية المصرية. هذا الأمر غير المتزن ينطبق على الكثير من الأمور الداخلية٬ وإن كان مفيدا في لحظات محددة٬ فخلال السنوات العشر الأخيرة انتشر في العالم مفهوم جديد تحت مسمى الأمن السيبراني، لا يقل أهمية عن المفهوم التقليدي من حماية الحدود ومكافحة الجرائم٬ فقد شهد العالم العديد من الحوادث لاقتحام مؤسسات عالمية وأمنية عن طريق القرصنة الإلكترونية٬ وهو ما كبد اقتصاد بعض الدول العديد من الخسائر، بل وصل الأمر إلى الحصول على معلومات سرية لبعض الدولة تمس أمنها الوطني٬ وكان آخر هجوم إلكتروني يشهده العالم قد بدأ منذ ستة أيام باستخدم فيروس يطلق عليه PETYA (بيتيا) وهو فيروس مشابه لفيروس (واناكراي) الذي ضرب العالم الشهر الماضي (مايو ٢٠١٧) وهو فيروس يصيب أجهزة الكمبيوتر ويعطلها ويطلب من أصحاب الأجهزة دفع فدية لإعادة تشغيل الأجهزة٬ وقد وصل الفيروس الجديد PETYA (بيتيا) إلى العديد من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية٬ وما زال يسبب العديد من الخسائر للعديد من الشركات الكبرى وبعض مؤسسات الدول٬ هذه الفيروسات دفعت أحد المسئولين المصريين إلى إعلانه أمس أن الوضع في مصر مستقر وليس هنا أي تهديد حتى الآن. وهذا التصريح يشبه إلى حد كبير تصريحات المسئولين الاقتصاديين في عام ٢٠٠٨ بمصر حول تأثر الاقتصاد المصري بالأزمة المالية العالمية٬٬ وهو ما دفع وزير الإسكان الأسبق إلى أن يتفاخر بأن أسعار العقارات في مصر في ارتفاع ولم تتأثر بانهيار سوق العقارات العالمية٬ فهل تصريحات المسئول عن عدم تشكيل الفيروس خطرا على مصر يعني أن الأمن السيبراني في مصر قوي؟ والإجابة عن هذا السؤال قريبة من الإجابة عن سوال لماذا لم تنهر السوق العقارية في مصر أثناء الأزمة المالية العالمية٬ فنسبة اعتماد الدولة ومؤسساتها على التكنولوجيا ضعيفة جدا٬ فما زالت مؤسسات الدولة تعتمد على الأرشيف الورقي وعندما تقدمت في وقت ما توقفت عند (الميكروفيلم) وحتى أجهزة الكمبيوتر المستخدمة في أغلب المصالح الحكومية ليست مرتبطة بشبكة الإنترنت٬ فحتى الآن أغلب مؤسسات الدولة لا تمتلك موقعا إلكترونيا على شبكة الإنترنت ومن يمتلك منها موقعا إلكترونيا يكون بدون أي بيانات مفيدة ما عدا السيرة الذاتية للوزير أو رئيس المؤسسة، بجانب أرقام تليفونات لا يتم الرد عليها أغلب الوقت، وفي كثير من الأحيان تكون أرقام تليفونات غير صحيحة.
نعم أنا أصدق المسئول المصري في عدم الخوف من الفيروس الإلكتروني الذي يجتاح العالم خلال هذا الأسبوع، بل أضيف إلى تصريحات المسئول: ولن نخشى أي فيروس إلكتروني آخر في المستقبل. تلك التصريحات تجعلني أتذكر موقفين، الأول: تحليل لدبلوماسي شهير وهو قريب من الحكومة في رده على سؤال حول تسريبات ويكيليكس الشهيرة٬ فكانت إجابة أستاذ العلوم السياسية بأن هناك صعوبة في اقتحام البرقيات الدبلوماسية المصرية، لماذا؟ لأننا ما زلنا نستخدم الحقيبة الدبلوماسية والبرقيات ولم نستخدم الإيميل والكمبيوتر. والموقف الثاني لأحد الأصدقاء، والده متوفى وذهب إلى التجنيد لتقديم الأوراق التي تثبت ذلك لأخذ الإعفاء، فكانت هناك أزمة وهي أن اسم والده في قسيمة الزواج مختلف في الاسم الرباعي عن بطاقة الابن، وهو ما يتطلب النسخة الأصلية لقسيمة الزواج لشخص متوفى منذ أكثر من عشرين عاما ومع سعي الصديق لاستخراج نسخة كانت إجابة المسئول أن الدولة في طور تسجيل الأوراق٬ وعليه لا بد إلى الذهاب للأرشيف٬ وبالذهاب للأرشيف وجد أن أغلب الأوراق قد أحرقت أثناء الثورة ومن ثم لا مفر من رفع قضية ليثبت الابن زواج والده المتوفى من أمه. وربنا يخلي لينا الأساتذة عبد الله وعبد المسيح ومدام سعاد ووووو إلخ... مسئولي الأرشيف بمؤسسات الدولة المصرية فهم أصحاب الفضل في حماية الأمن القومي والوطني للبلاد. وأخيرا يمكننا القول (نعم مصر مش أمريكا)!