التحرير
ياسمين الخطيب
25 خساير و30 سونيا
"الثورة مصطلح يراد به التغيير الأساسي والجذري في المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، أي الإطاحة بنظام قديم فشل في تحقيق مطالب المجتمع، وإحلال آخر قادر على خلق مناخ صحي له اتجاهات مختلفة. وتختلف الثورة عن الانقلاب الذي يستهدف القبض على السلطة وتغيير نظام الحكم دون أن تكون له مرجعية شعبية". بهذه الكلمات التي قُدم بها كتاب "انتفاضات أم ثورات" لمحمد حافظ دياب، تُعرف لطيفة سالم "الثورة"، وأحسب أن في كلماتها القليلة إجابة كافية شافية، للسؤال الذي تردد كثيرا إبان ثورة 30 يونيو: "ثورة أم انقلاب؟". فلا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يجادل في كون ثورة 30 يونيو قامت بمشاركة كل أطياف الشعب المصري، وبهدف الإطاحة بنظام قديم أثبت فشله -وإن حملت بعض ملامح الانقلاب، مع التأكيد أن الشعب رغم اصطفافه، لم يكن قادرا على خلع نظام الإخوان دون تدخل الجيش. بيد أن الكلمات ذاتها تؤكد أن ما سمي في بدايته بـ"الحركة المباركة" ثم تبدل المسمى لـثورة 23 يوليو، لم يكن سوى انقلاب عسكري استهدف القبض على السلطة، لكنه يجد حتى اليوم من يدافعون عنه هوسا بعبد الناصر، أو ظنا -في غير محله- أنها ثورة طبقة وسطى قامت لصالح العمال والفلاحين وانحازت لهم، خاصة بعدما قام عبد الناصر بعدة إصلاحات سياسية واقتصادية، تصب في مصلحة البروليتاريا، أهمها إجراءات الإصلاح الزراعي، وإلغاء الفصل التعسفى للعمال، وتأميم قناة السويس، وإنشاء القطاع العام. ولا ينفي كل ما سبق عن ضباط يوليو تهمة القبض على السلطة، كما أنه لا يصبغ انقلابهم بصبغة الثورات. على أي حال المقارنة بين ثورة يونيو وانقلاب يوليو، ليس محلها هذه السطور، وكذلك لا مجال للمقارنة بين ثورتي يناير ويونيو، لأني أعتبرهما تجليان عظيمان لانتفاضة واحدة، وهذا ما يدفعني للتعجب من فلول عصر مبارك، الذين يتعاملون مع كل ما ينتمي إلى يناير بمنهج ثأري، بدعوى أنها الثورة التي أتت بالإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وفتحت المجال لتيارات الإسلام السياسي للمشاركة السياسية -الأمر الذي كان يعد بالفعل مستجدا وقتذاك- رغم أن مشاركة التيارات السلفية لم تكن نتاج الممارسات الديمقراطية التي أرست مبادئها ثورة يناير في بداياتها، ولكنها كانت بمثابة الثمرة الفاسدة للهجمة الظلامية الوهابية، التي تجذرت في المجتمع المصري قبل ذلك بأعوام طوال، والتي كان أحد أهداف يناير استئصالها من منبتها، بإرساء قواعد الحرية وبالتنوير، وهو ما لم يدركه بعد المعادون لثورة يناير، فما زالوا يتهكمون عليها فيصفونها بكلمة (مجيدة) منفردة، و(25 خساير)، والأعجب من ذلك فعل ثوار يناير الذين يردون الإهانة، بوصف ثورة يونيو بـ(30 سونيا)!

وبين (25 خساير) و(30 سونيا) يغفل الفريقان حقيقة أن الثورتين حركهما هدف نبيل، هو التغيير.. ولكن، هل تحقق التغيير بإزاحة النظام في المرتين؟! لا شك أن الإجابة "لا". فالثورة كما تُعرِّفها موسوعة علم الاجتماع، هي التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، تلك التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريا وجوهريا، من نمط سائد إلى نمط جديد، يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما أنها قد تكون سلمية، وقد تكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية. هذه التغييرات لم تتحقق بعد -ولن- إذا أغفلنا الكلمتين الأخيرتين من التعريف السابق، (بطيئة تدريجية)، فالثورة الفرنسية استغرقت نحو 10 سنوات لتخرج شعب فرنسا من الظلمات إلى النور، وأنتم بعد 6 سنوات جرت خلالها الكثير من الأحداث، ما زلتم تسبون يناير قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم، وتتعجلون قطف الثمار. 25 يناير هي الموجة الأولى لثورة التغيير المصرية، و30 يونيو هي موجتها الثانية، وكلتاهما لن تحقق أهدافها إلا بتحقيق الإصلاح الإيجابي في السياسة والاقتصاد والمجتمع والقانون والدستور، وهو ما لن يتحقق إلا (بطيئًا تدريجيًّا).

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف