أعط من وقتك ولو ساعة لمتابعة القنوات الإخبارية العربية، ربما تجد ما يضحكك، أو حتى يدفعك إلى الابتسام، فى لحظات أجدك فى حاجة إلى ذلك. تابع على سبيل المثال أى قناة مؤيدة للمملكة وقارن ما تبثه بخطاب قناة «الجزيرة» القطرية حول الأزمة التى ضربت العلاقات ما بين دول الخليج مؤخراً. ستجد أن خطاب كل قناة عن أحد الطرفين يدور فى فلك أمرين؛ الأول: إثبات أن الطرف الخصم ضد الإنسانية، الثانى: التأكيد أن دول العالم المختلفة تدعم موقفه هو وتسفه موقف الآخر.
على القنوات المؤيدة للموقف السعودى ستجد أحاديث لا تنتهى عن دور قطر فى دعم الإرهاب، الإرهاب الذى يسحق الإنسان، ولا تفرق رصاصاته ومتفجراته ما بين مسلم وغير مسلم، وفى المقابل ستجد أن القنوات المؤيدة أو بالأحرى الناطقة بلسان قطر تحدثك عن الحصار اللاإنسانى الذى ضربته دول الخليج على المواطن القطرى «الغلبان»!. من جهة أخرى تجد بقليل من التأمل للخطاب أن القنوات الداعمة للسعودية تنشر التقرير تلو الآخر عن البيانات والتصريحات والمظاهرات المؤيدة لموقفها من قطر، ومجموعة القرارات التى اتخذتها دول الخليج منها، وفى المقابل تجد القنوات المؤيدة لقطر تعرض لك أقوالاً وتصريحات ومواقف واحتجاجات أخرى مصدرها الدول والجماعات المؤيدة لقطر وموقفها الذى تصفه بالحريص على استقلالية القرار الوطنى بها. إذاً تعددت الأقوال والخطاب واحد، ولك أن تسأل عن السبب الذى يؤدى إلى هذا النوع من التوحد والتشابه بين خطاب القنوات المؤيدة للمملكة والأخرى المؤيدة لقطر.
السبب معلوم بالضرورة. إنه الذهب الذى يتلألأ فى أعين الأمراء، كما كان يردد الشاعر الراحل أمل دنقل. بالفعل هناك من يؤيد موقف المملكة ويشد عليه ويدعمه، والسبب فى ذلك ارتباطه بسلسلة من المصالح مع الدولة السعودية. ومن يؤيد قطر يستند أيضاً إلى نفس السبب، فالمصالح والأموال السائلة من «براميل النفط» تغرى الكثيرين بتبنى الموقف القطرى والدفاع عنه، والذهاب مع النظام الذى يحكم هذه الدويلة إلى أقصى الحدود. دولة وحيدة هى التى يقف رئيسها ضاحكاً وتبدو إدارتها منتشية أشد النشوة بما يحدث فى الخليج والمنطقة العربية ككل، إنها الولايات المتحدة الأمريكية.
كل الناس تأكل بيد واحدة، إلا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فهو يأكل بيديه الاثنتين من «الطبق الخليجى». فبعد أن نجح فى عقد صفقات اقتصادية وعسكرية مع المملكة تقترب قيمتها من الـ400 مليار دولار، خرج يبارك كل ما تفعله المملكة، وبعد ذلك بارك الخطوات التى اتخذتها دول الخليج (المملكة - الإمارات - البحرين) بمقاطعة قطر دبلوماسياً وفرض حصار عليها، لكنه توقف عند هذا الحد، الحد الذى يمكن أن نصفه بـ«التطرية بالكلام»، لكن فجأة ودون سابق إنذار إذا بوسائل الإعلام العالمية تتحدث عن صفقة عسكرية أبرمتها قطر مع الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ قيمتها 12 مليار دولار!. عجيبة.. هو «ترامب» مع مين بالضبط؟!. أنت تعلم الإجابة. «ترامب» مع مصلحة أمريكا، ورغبته الجارفة فى تحقيق المصلحة تدفعه إلى الأكل بيديه الاثنتين من «فلوس الخليج». الرجل قال فصدق. فمنذ حملته الانتخابية وهو يرى أن هذه الفلوس من حق أمريكا.. وها هو الآن يأكلها.. كما يأكل الجميع!.