الأهرام
محمد صابرين
الخيارات المحدودة فى «لعبة الخداع» بالشرق الأوسط
أغلب الظن أن غالبية اللاعبين فى لعبة «الخداع الكبرى» بالشرق الأوسط يدركون أنهم يلعبون على المكشوف، وأن لا خيارات كبرى أو متعددة أمامهم، بل الأصعب من ذلك أن أطراف اللعبة على استعداد لكشف «الغسيل القذر»، و«الصفقات المشبوهة» التى تم التورط فيها أو المشاركة بها طواعية مع أطراف أخرى تريد أن تتطهر على حساب الآخرين!. ومن هنا فإن د.عبدالمنعم سعيد الباحث المصرى محق بتأكيده أن «صفقة القرن مستحيلة» فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وأحسب أن إسرائيل ـ ومن خلفها الولايات المتحدة ـ ستحاول أن تحصل على «عوائد السلام» ـ أى التطبيع والتعاون ـ دون أن تدفع «ثمن السلام» ـ إعادة الأرض ـ، أما الحديث عن مشروعات وخطط «تبادل أراض» لتسوية مرفوضة لأزمة غزة، فهذا «قنبلة شديدة الانفجار»، ومشروع لتفجير الأوضاع العربية، خاصة «تفجير مصر من الداخل»، وهذه المشروعات المشبوهة جرى رفضها، ولا أعتقد أن هناك عاملا سوف يقبل بمثل هذه «المؤامرة» على مصر، وأحسب أن ذلك من نوع الدعايات الصهيونية وشائعات جماعة الإخوان فى إطار الهجوم على النظام المصرى، إلا أن المشهد فى الخليج والشرق الأوسط يزداد تعقيدا، وتتوالى الرسائل الكاشفة، ويمكن القول أيضا «المكشوفة» من جانب واشنطن، فضلا عن أننا نشهد «لحظة الحقيقة» فيما يتعلق بالأزمة مع قطر، إلا أننا مرة أخرى نشاهد حرصا أمريكىا على «خلط الأوراق»، وعدم وضوح الرؤية تماما بشأن قضية «مكافحة الإرهاب»، وأغلب الظن أن واشنطن سوف تستمر فى «لعبة الخداع الكبرى»، وأن تقدم «أقل القليل« للشركاء، وأن تلعب بورقة «استخدام الإرهاب» و«مكافحة الإرهاب» فى ذات الوقت لتحقيق «مكاسب سياسية واقتصادية» ولو على حساب استقرار الآخرين، وسلامة ووحدة أراضيهم، فلا شىء مهم لأن الأهم هو «أمريكا أولا» وليذهب الآخرون إلى الجحيم؟!.

ولعل الرسالة الأولى الكاشفة هى رسالة «روبرت فورد» آخر سفير أمريكى لدى سوريا، ويقول فيها: «الأكراد سيدفعون غاليا ثمن ثقتهم بالأمريكيين، وإن الجيش الأمريكى يستخدمهم فقط لقتال داعش، ولن يستخدم القوة للدفاع عنهم ضد قوات النظام السورى، أو إيران، أو تركيا»، ويرى فورد أن ما نفعله مع الأكراد غير أخلاقى وغير سياسى، وربما هذا نوع من «التجمل»، ولا أعتقد أنها «صحوة ضمير» من جانب مسئول أمريكى سابق، إلا أن أخطر ما فى رسالة فورد هى أن بعض المسئولين فى واشنطن يعتقدون أن السيطرة على شرق سوريا سوف تسهم فى محاربة داعش وتقليص نفوذ إيران، ويرى فورد فى المقابل أن الأمريكيين سوف يعرفون قريبا أن إيران سوف تصعد، وأن أمريكا لن يكون لديها الصبر والقوة العسكرية للقيام بتصعيد مقابل.. وجاءت الرسالة الثانية الكاشفة من تركيا، فقد سارعت أنقرة فى فترة زمنية وجيزة فى الانتقال من موقع «المحايد» فى الأزمة ما بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع قطر إلى موقع «المنحاز»، ولعل التعجيل بالمصادقة على الاتفاق العسكرى ما بين أنقرة والدوحة من قبل البرلمان التركى كان رسالة من أردوغان، وهذه الرسالة فحواها هى «أن تركيا معنية بالأزمة ولن تقف مكتوفة الأيدى إذا تدهورت الأوضاع بالمنطقة»، ويقول الكاتب الصحفى التركى فهمى طاشتكين إن تركيا رأت أنها مستهدفة، وأن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا حتى يحين دورها بعد قطر، وتكون الهدف التالى للحملة الخليجية لأن أنقرة لا تخفى تأييدها لجماعة الإخوان، وحماس، وتستضيف قادة هاتين الجماعتين على أراضيها، وتتطابق رؤية أنقرة والدوحة بشأن الملف السورى، ويمكن تكييف جميع الحجج الخاصة بدعم قطر للجماعات الإرهابية «لتنطبق على تركيا»، وترى هل سنرى مشاهد «كشف المستور» فيما يتعلق باستخدام «الجماعات الإرهابية» فى الفوضى الخلاقة ثم الربيع العربى، وخلق داعش والنصرة وأخواتهما، أم أن الأمور سوف يتم لملمتها بدواعى «لا داعى لنشر الغسيل القذر»، أم سيذهب ترامب بعيدا فى فضح «إدارة أوباما» ومن «تعاون أو تآمر معها»!. الواضح أن أردوغان خائف من «خداع واشنطن»، حتى ولو حاولت واشنطن تهدئته بأنها سوف تسحب السلاح من الأكراد بعد الخلاص من داعش!.

وتبدو الرسالة ما قبل الأخيرة تتعلق بما يتم الصراع حوله: بداية «وهو الإرهاب» و«تقليص نفوذ إيران»، وهنا فإننا نلاحظ أن الإرهاب بالنسبة لإدارة ترامب جرى اختصاره فى «داعش»، وبالتالى هى لا تشارك الآخرين فى حتمية خوض صراع ضد بؤر الإرهاب الأخرى، كما أن واشنطن مرارا وتكرارا لا تتطلع إلى تغيير النظام الإيرانى ـ مثلما ترغب بعض دول الخليج ـ، وليست مستعدة للدخول فى صدام عسكرى مباشر معها، وهنا يثور السؤال: «ترى هل يكفى ذلك احتياجات الأطراف العربية خاصة الخليجية؟»، وأغلب الظن أن «هذا القليل» و«المتأخر» ليس كافيا بإصلاح الأزمة، بل على الأغلب إشعال المزيد من الأزمات فى الخليج، واستمرار «الأيام الرمادية» فى المنطقة، وهنا فأن الباحث الأمريكى شوشانا براين فى مقال بموقع «جيتستون أنسيتوت» الأمريكى يشكك فى فعالية ما يتم الآن لمواجهة إيران، بل أنه اختار لعنوان مقالته «البحث بطريقة خاطئة بشأن إيران»، ويرى أن وجود قائد فيلق القدس سليمان قاسمى فى العديد من المرات فى العراق، ومؤخرا فى سوريا يعد مؤشرا على أن إيران لها مخططات أكبر من مجرد تحرير الموصل العراقية من تنظيم داعش!

ويطرح الرجل رؤية سبقه إليها ملك الأردن بشأن «الهلال الشيعى»، ويقول الباحث الأمريكى إن الجزء السنى من العراق هو جزء حيوى من الممر البرى الذى يجرى تشييده من إيران إلى البحر المتوسط، كما أن هناك أمرا آخر مهما لإيران بنفس الدرجة وهو منطقة الجنوب الغربى والمتعلقة بحصار السعودية بحريا (يقصد الحوثيين).. ويختتم الكاتب رؤيته بالتأكيد «إذا ما سمح لإيران بتعزيز الهلال الشيعى، وعملية الاعتراض البحرى، فإن حلفاء أمريكا بامتداد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سوف يدفعون ثمنا غاليا».

ويبقى السؤال مطروحا وبقوة بشأن «الخيارات المحدودة»، ومدى فاعلية «الوصفات الأمريكية، ومن الذى استفاد من غزو العراق، ومن انهيار سوريا، ومن خراب ليبيا، وتقسيم السودان، ودمار اليمن، وهل يمكن الوثوق فى استعداد الأمريكيين لخوض حرب مفتوحة مع إيران وحلفائها، وهل هناك جدوى من «الحروب بالوكالة»؟، والسؤال المسكوت عنه: وترى ما هو الجيش الوحيد الباقى الذى لم يتم دفعه إلى «صراع مجنون»؟، وأخشى القول إن علينا أن نحذر فى مصر من التورط فى «مستنقع لا فرار منه»، فلا جدوى من الحروب المجنونة؟! ولابد من البحث عن حلول أخرى؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف