وكأنى بأمريكا تريد أن تعيد سيناريو التربص بسوريا من جديد من خلال توجيه ضربات إلى مواقع النظام، على غرار الضربات التى وجهتها واستهدفت بها مطار الشعيرات فى السادس من أبريل الماضى، تحت مزاعم زائفة مفادها بأن النظام السورى قد شن هجمات كيميائية على موقع تابع لمسلحى المعارضة فى خان شيخون، وهو الهجوم الذى أدى إلى مقتل العشرات.. وكان أن أمر ترامب بشن هجمات بصواريخ كروز من طراز توماهوك ضد قاعدة الشعيرات الجوية فى سوريا، مما أسفر عن استشهاد وإصابة العديد من الجنود والمدنيين، بالإضافة إلى إلحاق خسائر مادية بالمطار.. غير أن الاتهامات التى ألصقتها أمريكا بسوريا كانت باطلة لم تقم عليها أى دليل، كما أن روسيا أكدت أن النظام السورى لم يستخدم الكيماوى، وأن الغارة الجوية أصابت مستودعاً مليئاً بالسلاح الكيماوى التابع لمسلحى المعارضة، مما أدى إلى انبعاث غازات سامة فى الجو.. غير أن الغرب ومسلحي المعارضة رفضوا هذا التفسير وشرعت أمريكا يومها بتوجيه الضربة إلى قاعدة الشعيرات، دون أن يقدم البيت الأبيض أى مبرر قانونى للهجوم، وغيبت بذلك عن عمد ميثاق الأمم المتحدة الذى صادقت عليه والذى لا يجيز استخدام القوة ضد دولة أخرى دون موافقة مجلس الأمن، ودون أن يكون دفاعاً عن النفس.
واليوم تعاود أمريكا تكرار القصة عندما ادعت الاثنين الماضى بأنها تلقت معلومات استخبارية تفيد بأن قوات الحكومة السورية تعمل على الإعداد لهجوم محتمل بغاز السارين.. وفى بيان شديد اللهجة للبيت الأبيض هددت أمريكا بقصف سوريا فيما إذا استخدمت قوات الحكومة أسلحة كيميائية، وأنها إذا فعلت ذلك فسوف تدفع ثمناً باهظاً، وهو البيان الذى سارع الكرملين بالرد عليه قائلاً: «بأن هذا التهديد غير مقبول لا سيما أنه ليست هناك أية معلومات عن احتمال استخدام سوريا لأسلحة كيماوية، وبالتالى فإن الكرملين يعتبر مثل هذه التهديدات الأمريكية للقيادة الشرعية لسوريا غير مقبولة».
الجدير بالذكر أن سوريا نفت أكثر من مرة الادعاء الأمريكى الكاذب باستخدامها أسلحة كيماوية لا سيما أن ترسانتها الكيميائية قد دمرت بالكامل كجزء من الاتفاق الذى توسطت فيه كل من روسيا وأمريكا بعد الهجوم بغاز السارين الذى وقع فى ضواحى دمشق على موقع لمسلحى المعارضة فى عام 2013، بيد أن أمريكا تستمر فى فبركة الاتهامات لتبرير توجيه ضربات لسوريا فى المستقبل، والتى قد تأتى فى أية لحظة معتمدة فى ذلك على ذرائع لا سند لها، بل قد تقوم أمريكا بتدبير عملية كيميائية عبر حلفائها من مسلحى المعارضة لإلصاق الاتهام بالنظام السورى ليتسنى لها تسديد الضربات لمواقعه.
ما يخشاه المراقبون أن يتعاظم صراع النفوذ بين موسكو وواشنطن فى سوريا لا سيما وقد أوشكت الحرب على الانتهاء، فمع تطور الأحداث قد يتم الشروع فى مجابهة مباشرة بين القوتين، بل قد يقع الاشتباك المحتمل نتيجة تعرض أحد الجانبين لهجوم من الطرف الآخر عن طريق الخطأ، بحيث يصبح التصادم المباشر مسألة وقت ليس إلا.. أما ما يزيد من حدة التوترات بين الدولتين، فهو السلوك الفوضوى والعشوائى فى إدارة ترامب، بالإضافة إلى شعور كل من الدولتين باقتراب نهاية النزاع فى سوريا وشروع كل منهما فى إجراء ترتيبات ما بعد انتهاء الأزمة، الأمر الذى يحدو بأمريكا إلى السعى جاهدة لتعزيز مكانتها على الأرض، وذلك فى معرض التنافس مع روسيا التى تحظى بتأثير واسع وكبير.