حال مصر الآن السياسية والمالية - تشبه ما كانت عليه مصر منذ قرنين بالتمام والكمال.. وكان ذلك، أوائل حكم محمد على باشا، كانت الدولة منهارة تماماً لا زراعة كافية ولا صناعة تذكر.. وكان الشعب يعيش على الكفاف.. بينما الصراع على السلطة كان رهيباً.. كانت بقايا المماليك يعملون بجد وإصرار على أن يعودوا إلى حكم مصر «وما أشبه الليلة بالبارحة» يعنى أى الإخوان الآن.. إما يحكمونا.. وإما يقتلونا.. وكانت قوى المماليك تنزل إلى الشوارع «تكبس» أى تكسر المحلات وتنهب الوكالات.. بل وتهاجم البيوت وتسرق كل ما فيها.. وكان محمد على يجلس فى بيته فى الأزبكية يسمع ويرى، وقد عجز حتى عن دفع رواتب الجنود.. جنوده وجنود المماليك.. فانطلق جنود المماليك إلى الشوارع يسرقون كل شىء بعد أن سمح لهم قائدهم وأميرهم عثمان بك البرديسى بأن ينطلقوا إلى شوارع القاهرة ينهبون ويسرقون كل شيء.. وكان هو ومحمد بك الألفى أكبر منافسى محمد على.. على حكم مصر.
<< المهم خرج أهالى القاهرة فى مظاهرة صاخبة قاصدين سراى محمد على باشا وكانت وقتها فى الأزبكية.. وإلى بيوت زعماء مصر وفى مقدمتهم عمر مكرم وعبدالله الشرقاوى، شيخ الأزهر، ومحمد المحروقى، كبار تجار القاهرة.. خرجوا وهم يهتفون: إيش تاخد من تفليسى.. إيش تاخد يا برديسى.. أى أن الناس أصبحت على الحديدة، ولم يعد فى بيوتهم ما يكفى أولادهم.. هنا اتفق عمر مكرم «الزعيم الشعبى»، والشيخ الشرقاوى، شيخ الأزهر والزعيم الدينى.. ومحمد المحروقى كبير التجار وأكثرهم ثراءً على أن يتحمل التجار - رجال الأعمال أيام زمان - دفع مرتبات الجنود.. ليعودوا إلى معسكراتهم.
<< كان هذا ما جرى خلال الصراع على حكم مصر - وكان السلطان العثمانى حائراً ماذا يفعل.. إذ مرة يعيد محمد على وأخرى يرسل أسطولاً لعزله.. وثالثة يتصل بقادة وأمراء المماليك لينقضوا على الحكم.. ونتج عن كل هذه الأحوال أن ضرب الكساد كل شىء.. وأصاب الفقر الناس بالشىء الرهيب.
تري.. هل يختلف ذلك الآن، عما حدث بدايات حكم محمد على.. وأن الخزينة العامة للدولة الآن باتت خاوية - رغم أرقام طارق عامر، محافظ المركزى تماماً كما كانت أيام حوادث عثمان بك البرديسى.
أم أن شروط - وروشتة - صندوق النقد الدولى سوف توصل مصر إلى ظروف مشابهة لما حدث أيام محمد على الأولى - وأن هذه الروشتة تجبر الحكومة على رفع يدها عما تقدمه من دعم للناس.. وتجعل مصر تمد يدها للصندوق.. ولغير الصندوق.. بينما الشعب المصرى يقف متفرجاً.. ينفق بلا حساب 30 مليار جنيه على طعامه وتساليه خلال شهر واحد فقط هو رمضان بواقع مليار جنيه كل يوم.
أكاد أجزم أن هذا الشعب فى يده وحده أن ينقذ البلاد وينقذ نفسه فى حالة واحدة فقط هى أن يعود سريعاً إلى العمل وإلى الإنتاج.. والعمل الجدى.. بحق لنقلل ما نستورد وأن نحاول زيادة ما ننتج.. فهذا هو الحل الوحيد.. بل أقول بكل صراحة إن كنتم تنتظرون إنتاج حقل ظهر للغاز فى العام القادم فلن يكفيكم 100 حقل مثله إذا لم نتحرك ونعمل.. ننتج ونقلل مما نستهلك.. وإلا سوف نجد من يهتف مع الكل: «إيش تاخد من تفليسى.. يا رئيس الحكومة.. ورحم الله عثمان بك البرديسى ومحمد بك الألفى وإبراهيم بك أشهر الطامعين فى حكم مصر.. زمان.. وكفاية علينا مؤامرات الإخوان وأردوجان وتميم والست موزة!!