جمال سلطان
الحقائق والأوهام في أحداث 30 يونيه 2013
في مشهد 3 يوليو ، كانت الصورة ـ في البداية ـ مطمئنة إلى حد كبير ، بالنظر إلى أن اللجنة العليا المجتمعة لإدارة شؤون البلاد وتحديد مصيرها ، كان فيها رئيس المحكمة الدستورية العليا ، وكان فيها رئيس المجلس الأعلى للقضاء ، وكان فيها الدكتور محمد البرادعي أبرز رموز ثورة يناير وقادتها ، وكان هناك شيخ الأزهر كما كان هناك حزب النور وكان حضوره له رمزية عدم الرغبة في الصدام مع التيار الإسلامي ، كما كان هناك القائد العسكري الذي طالما تغزل فيه الإخوان وقدموه للشعب كقائد بنكهة ثورية ، أي أنه موال للثورة ومؤيد لها ، وأنه صوام قوام صاحب دين وخلق ، وأنه من هؤلاء الذين وصفهم مرسي نفسه قبل أسبوع بأنهم "رجال من ذهب" .
كان تصور الجميع أن "المجلس العسكري" الجديد سيقوم بما قام به المجلس العسكري السابق ، لطنطاوي وعنان ، بالدعوة لانتخابات حرة بين مرشحين مدنيين ، وانتخابات برلمانية أيضا ، على النحو الذي جرى على يد "العسكر" وسط احتفالات إخوانية صاخبة في 2012 و 2013 ، كما جاء تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا للبلاد والبرادعي نائبا لرئيس الجمهورية ، رسالة طمأنة ذكية ، ولكن يبدو أن "المجلس" الجديد ، كانت له رؤية أخرى ، وحسابات أخرى ، وخطط تكتيكية حسبها بدقة ، وأنه قرر أن يطوي ـ تدريجيا ـ ليس صفحة الإخوان فقط ، بل صفحة ثورة يناير بكاملها ، وكانت الرمزية التي لم ينتبه لها كثيرون في مشهد 3 يوليو ، أن الذي قرأ بيان عزل مرسي لم يكن أحد من الثوار أو المدنيين أو حتى القضاة ، وإنما قرأه القائد العسكري ، وكانت إشارة إلى أن مقبض السلطة قد انتقل إلى القيادة العسكرية .
الأحداث التي توالت بعد ذلك كانت "توابع" للخطأ الجوهري الذي وقع فيه الجميع في 30 يونيه ، خطأ الانشغال الكامل بإسقاط النظام ، دون الانشغال بحسابات اليوم الثاني ، وضماناته ، لكن الحقيقة أن الانفصال وقع سريعا بين القيادة العسكرية الجديدة وبين القوى الوطنية وخاصة المنتمية لثورة يناير والتي ثارت على الإخوان ، ودفع الجميع الثمن ، سجنا أو تشريدا ، ودفعوه بنبل ، لأنه كان بإمكانهم ـ لو رغبوا في ركوب الموجة وانتهازها ـ أن يكونوا اليوم في صدارة المشهد الرسمي والمناصب والبرلمان وكراسي الصحف والفضائيات والترف المغدق ، ولكنهم قبلوا أن يدفعوا الثمن استكمالا لنضالهم من أجل أشواق ثورة يناير .
الذين خرجوا ضد الإخوان ومرسي في 30 يونيه ، ليسوا بالضرورة قد أيدوا المذابح التي جرت بعد ذلك ، هذا موقف وذاك موقف آخر ، وحتى هؤلاء الذين طالبوا بفض اعتصام رابعة والنهضة وغيرهما ، كان مطلبهم سياسيا ، لإنهاء التحدي الذي يمارسه الإخوان في الشارع لإعادة نظامهم ، ولا يعني ذلك أنهم طلبوا الفض بمذبحة ، لا ينبغي الخلط هنا ، فلم يكن يخطر على بال أحد أن يجري ما جرى ، لأنه لا سابقة له في تاريخ مصر كله ، وأقصى تقدير هو أن تكون هناك مصادمات عنيفة تستخدم فيها الغازات والطلقات المطاطية والجرافات وخراطيم المياه ، كما كان يجري طوال السنوات السابقة ، أما الفض بتلك الطريقة التي جرت فقد كان فوق أي خيال سياسي ، كما أن انهيار قوى الثورة بعدها واستعادة الدولة العميقة لتجبرها وهيمنتها واستبدادها وتفكيك كل مكتسبات ثورة يناير تقريبا ، لا يمكن أن يتحمله من رفضوا الإخوان وعارضوهم ، لأن الجميع تعرض للخديعة ، الإخوان وغيرهم ، كما أن ما جرى من المجلس العسكري الأول ، جعل الجميع لا يضع مثل هذا الانهيار في تصوره ، وأما إحسان الظن بالسيسي فهو مشترك بين الاثنين ، فالإخوان قالوا فيه قبل 30 يونيه ما قاله آخرون فيه بعد 30 يونيه ، فإن كان هناك سوء تقدير أو غفلة فهو مشترك بين الجميع .
في محصلة الأمر ، أن الانتفاضة الشعبية الطاغية ضد الإخوان في 30 يونيه وما قبلها كانت حقيقية وليست مصطنعة ، كما كانت مشروعة ، وهي ليست نشازا عن المليونيات التي عرفتها مصر طوال سنوات الثورة بحثا عن تصويب المسار أو انتزاع مكتسبات جديدة ، فكانت امتدادا لها ، وأن الإخوان ونظام الرئيس محمد مرسي يتحملون المسئولية كاملة عن تمزق النسيج الوطني وانتشار الكراهية والغضب الشديد بين جميع قوى الثورة دون قدرة على احتواء ذلك أو تفكيكه ، وتتحمل القوى المدنية المعارضة للإخوان مسئولية الخطأ الكبير بعدم الاستعداد لليوم التالي ، وغياب أي حساب سياسي صحيح بضمانات عن مصير الوطن بعد إسقاط نظام الإخوان ، فكان الفراغ الذي تمدد فيه القادة الجدد ، وأخذوا البلاد بعيدا عن الثورة وعن الديمقراطية ، كما أن الدرس الأهم فيما جرى أنه لن يقدر لأي حراك شعبي ثوري أن ينجح دون أن يسبقه قاعدة تصور فكري وسياسي مشتركة بين جميع القوى للمطالب والأهداف ، وبدون قاعدة إجماع وطني على الحد الأدنى من صورة الوطن والدولة والضمانات ، فإن الفشل المحتوم هو مصير هذا الحراك مهما كان عنفوانه .